هلك فرعون لكن لم تهلك فكرة (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). فلا يزال بيننا من يؤمن بأن الله سبحانه ولاّه على خلقه وأوكل إليه مهمة إصلاح هذا الكون الفسيح، ووصاه بتطبيق فهمه للحياة كنموذج أوحد متفرد لا يخالفه إلا هالك.

ورثة فرعون يستنقصون أي رأي يخالف آراءهم ويتهمون صاحبه في دينه وخلقه بلا أدنى شعور بالذنب أو الخجل، فهم مؤمنون بأن للحق بابا واحدا وهم يمتلكون مفتاحه، وعليه فلا يمكن الوصول للحق إلا من خلالهم.

وبالنظر إلى السمات التي تجمع ورثة فرعون يمكن أن نلاحظ غضبا عارما على ما لا يتفق مع رؤيتهم الخاصة للعالم. وكأنما يغيب عن أذهانهم أن كوكب الأرض يحتضن ثمانية مليارات من البشر، ويستحيل أن يجتمع هذا العدد من البشر أو نصفه أو ربعه أو حتى عشر عشره على رأي واحد في مسألة واحدة في وقت واحد.

الصفة الثانية التي لاحظت شبه إجماع عليها في شخصياتهم هي لوم الآخرين، فقد اتفقت أدبيات منهجهم على أن يشيروا بأصابع الاتهام إلى الغير دون أن يتأملوا في حالهم أو يفتحوا نافذة واحدة للداخل يطلون منها على ما في صدورهم. أجزم أنهم لو فعلوا لرأوا أسبابا ذاتية لما هم عليه، وكلّها أجدر بالمعالجة من صدور الآخرين التي يقضون أوقاتهم في محاولة تنبيشها.

من سماتهم كذلك التعالي عن النقاش، وكيف يتنازل وريث فرعون عن عرش الكبر ويسمح لآخر بمساءلته حول ما يقوله وما يفعله أو يؤمن به! لا يدرك ورثة فرعون أن النقاش جسر الفهم وبوابة الوعي بل يحيطون آراءهم الخاصة بهالة من التقديس، ويصنعون أعداءً وهميين ثم يقضون وقتهم في الشكوى من استهدافهم لهم.

من سمات ورثة فرعون كذلك التلويح براية القوة والتهديد بالعقوبة، سواء الجسدية أو الفكرية أو الاجتماعية أو القانونية لفرض آرائهم على مخالفيهم بحق أو بدون وجه حق.

على ورثة فرعون بيننا أن يراجعوا مواقفهم ويستبدلوا حججهم الواهية بمواقف واعية بدلا من قضاء الأوقات في بناء صروح من ورق، يطلعون عبرها كما يظنون على الأسباب ويرمون غيرهم بالاتهامات جزافا، فالنهاية الحتمية لانتصار الحق على الباطل معروفة وعادلة.