زادت في الآونة الأخيرة عبر تويتر ظاهرة الحسابات المنتحلة. فلا يكاد يمر يوم دون أن نجد عددا من المغردين ينفون صلتهم بحسابات حملت أسماءهم وصورهم. تنامي هذه الظاهرة أمر يستحق الوقوف عنده لاعتبارات عديدة. فغالبا مثل هذه الممارسات والسلوكيات تأتي في بدايات ظهور الشبكات لكثرة الثغرات حينها. ولكن أن تظهر هذه المشكلة الآن وبعد قرابة أكثر من العقد على ظهور تويتر، وهذا يثير الاستغراب. وعلاوة على ذلك، أصحاب الحسابات الحقيقية موجودون ومتفاعلون ولديهم متابعون، الأمر الذي يجعل كل مقومات الانتحال غير متوفرة وهنا مكمن الاستغراب!

لم تكتف هذه الظاهرة بهذا التسطيح من الانتحال فحسب، بل امتدت إلى أن المنتحل لا يضع أي تغريدة في الحساب، ما يقودنا لاستفهام عريض، ما المغزى إذاً من الانتحال؟ وهو في الغالب لا يستهدف الشخصيات المعروفة فقط، بل تشمل الظاهرة أشخاصا كثيرين خصوصا الحسابات التي تحمل صورا شخصية حقيقية.

هذه الظاهرة العالمية التي عانى منها الكثير من مستخدمي تويتر حول العالم، تستحق الوقوف عندها لمحاولة فهمها، ولكن في المقام الأول لا بد من الإشارة إلى سبل التعاطي مع تلك الظاهرة.

المنتحل غالبا ما يقوم بمتابعة واستهداف الحسابات التي يتابعها صاحب الحساب الأساسي، ما يجعل اكتشاف انتحاله أمرا سهلا نسبيا، لأن المتابعين يبلغون صاحب الحساب الحقيقي للتوضيح في حسابه عن المنتحل حتى يحذر الجميع من التعامل معه، وبالتالي التبليغ عنه، وتعد هذه الطريقة هي الأمثل في التعاطي مع مثل هذه الحالة.

تتكرر هذه الحادثة بشكل شبه يومي، في المقابل تويتر لم تحرك ساكنا تجاه هذه الممارسات، إذ تكتفي فقط بإغلاق الحساب إذا تم رفع العديد من البلاغات عليه، فإدارة تويتر تقوم بردة الفعل لا الفعل نفسه، وهو محاربة منتحلي الحسابات. رغم أن سياستها في النشر تبدو صارمة، إلا أنها وقفت عاجزة حتى اللحظة من التصدي لهذه الظاهرة!

إن الاختلاف الجوهري في منتحلي تويتر عن بقية المنتحلين في الشبكات الأخرى، هو أن الانتحال هنا هو شكل جديد من أشكال الاختراق، إذ يسعى المنتحل إلى التواصل مع الأشخاص عبر الرسائل الخاصة، طالبا منهم تزويده بأرقامهم ومن ثم يقوم باختراق تطبيق واتساب ومن ثم بقية الشبكات، لأنها مربوطة بذات الرقم، والبعض من أولئك المنتحلين يذهب إلى طلب مساعدات مالية في الخاص، وتستمر فصول القصة.

يمكن تفسير هذه الظاهرة «الدولية» بأنها شكل جديد من أشكال الاختراق، بل وتعتبر أكثر أنوعها سهولة، خصوصا ما إذا وجد المنتحل تجاوبا من الشخصية المراد الوصول إلى بياناتها.

يقودنا الحديث لنقطة أكثر شمولية وأهمية وهي حرب البيانات التي باتت تمثل غاية يسعى الجميع للوصول إليها بمختلف الأساليب والطرق. والعملة الأغلى ثمنا في عالم التقنية وتطبيقاتها. وهو ما جعل تلك الشبكات مطمعا للكثيرين ليس بسبب عوائدها المالية وأرباحها، وإنما بسبب كمية البيانات الهائلة والتفصيلية والدقيقة جدا التي تختزلها عن مستخدميها.

ولذا أصبحت الجهات كافة تتنافس فيما بينها للحصول على أي معلومة عن المستخدمين والعملاء، فنلحظ جميعنا - على سبيل المثال- عند شراء منتج من أي محل يحرص المحاسب على إرسال الفاتورة عبر بريدك الإلكتروني، أو تسجيل رقم هاتفك لتصبح بياناتك بيئة وملاذا للمعلنين، تتلقى من خلالها وابلا من إعلاناتهم. وهم بذلك حققوا المكسب الأهم، ما يفوق مكسبهم من شرائك لمنتج لديهم في بعض الأحيان. ويعتبر استعمال واستغلال البيانات في هذه الممارسات التسويقية محمودا إلى حد ما إذا ما قورن بمسببات بعض الجهات الأخرى وأهدافهم.

ينبغي علينا التعامل مع الظاهرة بجدية أكثر، وتحديداً لمستخدمي شبكات التواصل، بحيث نتخذ خطوات احترازية ذاتية لتأمين حساباتنا من عبث أي منتحل أو مخترق، وذلك من خلال عدم التساهل في كلمات المرور وتحديثها أولاً بأول، وكذلك مسح المحادثات غير الضرورية والصور الخاصة قدر الإمكان، بالإضافة إلى عدم التجاوب وفتح الروابط مجهولة المصدر، والتي غالبا ما تكون الخطوة الأولى للاختراق.

يقول أبرهام لينكون: «يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت»!