سنحفر عن جذور العنصرية قبل آلاف السنين لنجد أنها من بقايا إنسان النياندرتال المنقرض، التي يتقاطع فيها هذا النوع البشري مع بقية الثدييات الأخرى في أفكار (القطيع البدائية)، فالثدييات عموماً ومنها النياندرتال تستطيع الحفاظ على مفهوم (القطيع) في أعداد قليلة، لكن عقل هذه الثدييات لا يستطيع استيعاب تكوين روح جماعية واحدة لأعداد كبيرة، فما الذي حصل؟.

عند هذه النقطة بالذات انتصر (الإنسان العاقل) على قريبه النياندرتال قبل أكثر من عشرين ألف سنة مضت، فرغم أن النياندرتال يعيش في جماعات (لكن قليلة) ويتمتع ببنية جسدية أقوى بكثير من الإنسان العاقل، إلا أن الإنسان العاقل تفوق عليه بقدرته على (الخيال)، فالنياندرتال كان يملك لغة تتقاطع مع لغة الثدييات الأخرى، فيعطي صوتاً ليحذر به بقية جماعته من وجود أسد مفترس مثلاً، وكذلك توجد نفس الأصوات في الحيوانات الأخرى، لكن الإنسان العاقل هو الوحيد الذي استطاع أن يصنع أسطورة (الطوطم) فيدعي أن الجد الأول لجماعته هو الأسد أو الذئب، وبقيت هذه الطوطمية حتى عصرنا الحالي مختبئة في تسمية بعض الأبناء بصقر وذيب... الخ.

نعود إلى الإنسان العاقل الذي بخياله استطاع أن يوحد مجموعات بشرية أكبر من نفس فصيلته تحت حكاية أسطورية كبرى تجمع كل أبناء فصيلته مما ساعده على القضاء على إنسان النياندرتال، الذي لم يكن يجيد سوى الصيد والقتل وحماية نفسه من السباع، فالإنسان البدائي (نصف العاقل) أقصى ما يستطيع تكوين (قطيع) بأعداد صغيرة، مثله في ذلك مثل الأغنام والخراف والذئاب والكلاب البرية، بينما (الإنسان العاقل) استطاع تكوين جماعة ممتدة تتجاوز المئات من الأفراد، وهنا تفوق (الإنسان العاقل) على النياندرتال (للاستزادة راجع كتاب «العاقل/تاريخ مختصر للنوع البشري»).

يبقى سؤال العنصرية؟ سؤال العنصرية يعني ظهور جينات لدى البعض من البشر تعيده لسلوك (النياندرتال) بينما الإنسان العاقل يتذمر من هذه العنصرية التي تفتت الجماعة الكبرى وتعيدها إلى مربعها الأول على شكل (قطيع) يحاول تصفية (قطيع آخر).

بعد كل هذه المقدمة يأتي أحمق يحمل جينات منقرضة لإنسان النياندرتال فيقيس مواطني المملكة العربية السعودية وفق أحفوريات القطيع التي في رأسه، متجاهلاً الحقيقة العلمية بأنه لا يوجد نقاء عرقي بالمعنى النازي الذي في رأس كثير من (الجهلة)، ولا يمكن تبرير الجهل بمعنى (المواطنة) بأن هذا العنصري إنسان بسيط يحمل شهادة/رخصة كسائق شاحنة أو سائق طائرة أو سائق دبابة، أو سائق دراجة، أو سائق قارب صيد، فهذه البساطة في التبرير تجعل من (رابطة السواقين) مشاهير ومحللين في علم الاجتماع السياسي.

نعلم أن معنى كلمة (مواطن) ما زال طرياً في أذهان كثير من أبناء الوطن، وخصوصاً الكثير من أبناء القبائل، متجاهلين أن بعض القبائل العربية تحوي تفاصيل هجرات وتنقلات عبر التاريخ جعلت طريق الحرير مجمعا للأعراق البشرية فارسية وصينية وهندية ورومية ومصرية وإفريقية وعربية فكيف لو عرفنا أن الجزيرة العربية قبل ظهور النفط كانت بيئة طاردة لأبنائها عبر مواسم الجفاف والقحط، فلا توجد منطقة من مناطق المملكة حتى الزراعية المطيرة منها إلا وفي ثنايا تاريخها (سنة كذا وسنة كذا) كسنين مجاعة جعلتهم يأكلون كذا وكذا مما لا يؤكل.

(مواطن سعودي) لا تعني أبداً أي مفهوم عنصري يعيشه (النازيون الجدد)، والدولة المدنية الحديثة كما تحملت بعض أبنائها الذين أحرقوا بطيب خاطر جوازاتهم في مناطق النزاع، احتوت كفاءات عقلية راقية عبر نظام الجنسية، واستوفوا عبر كفاءتهم العالية فخر الانتساب لهذا الوطن الغالي، فمن يزايد على من؟.

لا زالت حكاية ذاك الشاب (القبائلي الطازج) في الذاكرة وهو متفاجئ عند انتقاله إلى منطقة مكة المكرمة من صك الملكية لمنزل أحد (حضران مكة) قبل ثلاثمائة سنة، وعجز كثير من الناس عن إحضار وثيقة تثبت وجود أجداده في هذه البقعة من الأرض قبل مائة سنة، وقد تجاوز هذا (القبائلي الطازج) عقدته العنصرية النياندرتالية بالقراءة والإحساس المرهف بأن في أجداده على امتداد البشرية من كان مسلماً ومسيحياً ويهودياً ووثنياً وفينيقيا ومصرياً وهندياً وفارسياً، فتقيأ عروبته المشوهة التي ينقصها شارب صغير كشارب هتلر وبعض الصراخ الأعمى، ليصنع (هولوكوست) جديدا تحت شعار (الوطنية النقية).

فكرة الدولة الحديثة ونواتها (المواطنة) لا تستقيم على أيدي (موظفي) الدولة مهما علت مراتبهم وهم كثير، بل تستقيم على أيدي (رجال) الدولة مهما صغرت مراتبهم وهم قليل، وهكذا هي الحضارة والنهضة والتنمية تقوم على يد المؤمنين بالقيم الإنسانية العليا في موازنة دقيقة بين متطلبات النهضة وضرورات الواقع المشوه ببعض أبنائه.