ليست هذه محاكمة للتاريخ، ولكنها إعمالاً للعقل، فكيف يكون المجرم بطلا؟ والخائن شجاعا؟ والجريمة فضيلة؟! فإذا كتب التاريخ عن السلطان فلان بأنه أصدر فرمانا يسن فيه قتل الأطفال والإخوة، فليس غريباً أن يقال عنه مجرماً، حتى لو كان فتح بلاد البلقان وحارب الروس والألمان!! وهذا المثال يقاس على الفرد متمثل في السلطان وعلى الجماعة متمثلة في الدولة.

تيمورلنك كان مسلماً ولكنه كان مجرماً، وكذلك الحجاج مسلم، وصدام حسين مسلم، ولم يؤثر الوفاق الطائفي والسياسي معهم على نعتهم بالمجرمين، فالشمس لا تحجب بغربال، وقد تكون المناهج التعليمية بالسابق كتبت لمصالح سياسية وطائفية معينة، وقد كتبها إخوان مسلمون وحزبيون توهموا خلافة مزعومة في طوب قابي، لكن الحقيقة عكس ما كانوا يتوهمون. الحقيقة أن الدولة العثمانية لم تجلب للإسلام والمسلمين، إلا الخوازيق والقتل وسفك الدماء والانتهاكات، فتاريخهم غير مشرف من عثمان الأول إلى عبدالحميد.

حدث القتل والتنكيل مع المسلمين في الشام والعراق بحجة فتح محمد الفاتح وسليمان القانوني لبغداد ودمشق، والغريب والعجيب أنه يأتي لنا الآن من يسمي ذلك فتحاً، فكيف تفتح بلاد المسلمين؟!! هذا من غير الجرائم التي عملتها القوات العثمانية المحتلة بالدولة السعودية الأولى في مجزرة الدرعية وضرماء وشقراء والرس وكذلك بالحجاز والجنوب.

هؤلاء هم أبناء عم المغول والتتار، دخلوا الإسلام على طريقتهم مع الاحتفاظ ببعض طقوسهم ومعتقداتهم الوثنية التي قرنوها مع الإسلام. لقد كان نابليون بونابرت قائداً عسكرياً ومحتلاً للبلاد العربية، ولكنه لم يكن سافكا وقليل شرف وذمة مثل هؤلاء لما قاموا بحملاتهم على الجزيرة العربية قبل قرنين من الزمان، مع أنه لم يكن مسلماً وهم كانوا مسلمين!!

هذا من غير الفرمانات التي أصدروها في تشريع الجرائم مثل قانون سفر برلك وقانون قتل إخوان وأبناء السلطان، مستدلين في الآية: {الفتنة أشد من القتل} ولم يكلفوا أنفسهم عناء تكملة الآية التي جعلوها تشريعا لقتل الأطفال في ذنب لم يحدث ولكن على اعتبار ما سيكون!! ما هو الفرق بينهم وبين جنكيز خان؟ كلهم على نفس النهج، الاختلاف الوحيد بينهم، أنهم هم لبسوا لباس الدين وهو من غير دين...! أما في زمننا الحالي فقد جاءنا العثمانيون الجدد الذين هم مثل أسلافهم روجوا لحكمهم من خلال الدين، فتجدهم برعوا في ذلك بالترويج للسياحة والاستثمار عندهم من خلال الدين طبعا، وقد نجحوا في ذلك إلى حد معين، لدرجة أنك تجد كثيرا من العرب والخليجيين بالأخص، قد اشتروا عقارات متنوعة من فلل وشقق وشاليهات في تركيا. يقولون: هذا بلد إسلامي وحكومته مسلمة تتبع لحزب التنمية والعدالة، ورئيسه رجل صالح ومؤمن يصلي ويسمي!! ثم بدؤوا بالترويج من خلال القوى الناعمة ابتداء من الدراما والسينما التركية التي بدأت في إثارة العاطفة بمسلسلات مثل "سنوات الضياع" تلاها الإيحاءات الجنسية وإثارة الشهوات بمسلسلات مثل "حريم السلطان" واختتمت بالترويج لحزب العدالة والتنمية والقومية التركية بمسلسلات مثل "قيامة أرطغرل".

الحقيقة أنهم نجحوا في ذلك كما أسلفت إلى حد معين، وذلك قبل كشف أهدافهم على الملأ، حتى أنه من نجاحاتهم أنك تسمع بعض العرب يمجدونهم بشكل غريب وملفت للنظر!! على أنهم الدولة الإسلامية والشعب المسلم والحكم الإسلامي، وكأنه ليس هناك دعارة مقننة هناك، والرئيس لم يقر قانونا للمثليين في عام 2014 ولم يحول الحكم بالبلاد من برلماني إلى رئاسي! بهذا تكون القوى الناعمة أو البروباجاندا التي استخدمتها الحكومة التركية نجحت إلى حد معين وأسباب النجاح لا تنحصر فقط في الذكاء باستخدام الإعلام، ولكن ساعد ذلك قلة الوعي عند بعضنا بتصديقهم كل خطاب ديني دون إعمال العقل.

لذا ومن خلال التلفزيون والسينما والمسرح يجب علينا أن نرد الباطل بالحق ونعتز ونفخر بتاريخنا المجيد ابتداء من بطولات العرب الأولى ثم رسالة الهدى والنور وعهد الخلفاء الراشدين، مرورا بالدولة الأموية التي سادت ثلاثة أرباع العالم القديم، وكانت فيها اكتشافات واختراعات بالعلوم الإنسانية والتطبيقية والتي فاقت العالم بأسره حينها، في يوم كان الترك مع أبناء عمهم التتار يأكلون اللحم نيئا في سهول آسيا، وكانت أوروبا غارقة وموحلة بظلمات وجهل العصور الوسطى، ثم وصولا إلى المملكة العربية السعودية، دار السلم والسلام مهبط الوحي، دار المحبة والإخاء، عز المقيم ونصر المستجير، وطني العظيم فطوبى للعظماء.