كثير من الدارسين يجعلون الحكاية الخرافية لوناً من ألوان الأساطير وبخاصة إذا اعتبرت عملية إخراج موضوعي لنزعات خفية.

وكثير آخرون يردونها إلى الطوطمية أو الروحانية أو السحر أو النبوءة التي اشتهرت بها الشعوب في مراحلها الأولى.

وعند بعض المشتغلين بالميثولوجيا توضع الحكاية الخرافية – لما فيها من إعجاز – في صف مع ما يسمى بأسطورة الأخيار والأشرار وتكتسب هذه صفة الغرابة على النحو الذي تبسطه الروايات التي تتعلق بالشاعر أمية بن أبي الصّلْت بعد أن فشا شره بادعائه النبوة.

فلقد حكى أن نام قريبا من أخت له وإذا السقف ينشق عن طائرين وقع أحدهما على صدره فشقه ثم أخرج قلبه وشقه أيضا، وهنا قال له الطائر الآخر: هل وعى؟ فأجاب: وعى! فعاد الطائر الآخر يسأل: أقبل؟ فأجاب زميله: بل أبى! ورد القلب إلى موضعه ثم قفز عنه إلى السقف فانطبق وقام أمية بعد ذلك يمسح على صدره ويشكو فيه حرا ويقول:

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي *** في قنان الجبال أرعى الوعولا

أجعل الموت نصب عينيك وأحذر *** غولة الدهر إن للدهر غولا

والأمر على أي حال يجرنا إلى ما يختلف حوله دار والأدب الشعبي، لاسيما إذا علمنا أن الحكاية الخرافية عندهم مكون هام من مكونات الأدب الشفاهي، وقيمتها عندهم يكثفها تعريفهم لها بأنها بقايا أساطير موغلة في القدم.

وكان من نتيجة هذا التصور أن خلط الباحثون بين الأسطورة والخرافة، ومالوا إلى الاعتقاد بأن الآلهة التي تظهر في الأساطير عادة تتحول في الحكايات الخرافية إلى مجموعة من الكيانات الأرضية الخارقة. منها على سبيل المثال الغول والجن والسعلاة، ولا يزال فيها ما يقوم مقام الطقوس الدينية البائدة وفيها بكل تأكيد ضروب معقدة من السحر. ويقول فريدريك فون دير لاين، إن معظم الحكايات الخرافية تسبق كل تاريخ مدون وترجع إلى عالم آخر من الدين والفكر أو الاعتقاد، فتمتزج من هنا بالأساطير، ولكن يجب ألا نردها جميعا إلى عصور قديمة يلفها الغموض وذلك لأن رواتها من القاصين غيروها في حدود طاقاتهم الإبداعية. وإذا كان ثمة حكايات خرافية ترتبط دائما بالأساطير – كما يقول العالم الألماني – فنحن نملك أن نحدد لها تواريخ معينة، بل كذلك نعرف أنها «لم تتخذ صورتها التي تبدو عليها اليوم إلا في عصور متأخرة» تاركة أطرها الأولى التي عرفت بها في مصر وبابل منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد أو في الهند والصين منذ ألفي سنة قبل الميلاد أيضا.

ولما كانت الحكايات الخرافية في الأصل مجموعة من الأخبار تتصل بتجارب الإنسانية منذ القدم، فقد حرص الناس على الاحتفاظ بها ونقلها بالرواية – غير المدونة – عبر الأجيال، ومن هنا صارت أهم أنواع التراث الشعبي وعلى الرغم من أنها غائمة – غالبا – وظهور أبطالها بلا أبعاد ولا ملامح مميزة فإنها تشكل عالما يوازي عالم الناس ويبدو هذا العالم أليفا وحبيبا، وترتبط أحداثه بالبطل الذي يواجه القوى الغيبية الخارقة.

وأحسب أننا نستطيع الآن أن نقول إن الحكاية الخرافية لا تعتمد الحدث أساسا لها، وإنما تعتمد البطل وهي تختار من الأحداث ما يلقى الضوء على شخصيته ويؤثر في حركته، هذا مع امتلائها بالأمور التي لا تقع في عالمنا.

ومن هذه النقطة دخلت أقاصيص الحيوان مجال الحكايات الخرافية ونقلت عن اليونان إلى اللاتينية باسم فابولات Fabula وكان الأساس فيها مغزاها العميق برغم تفككها وبعدها عن المنطق المعروف.

*1976

* أكاديمي وناقد مصري «1927 - 2008»