حين يأتي اليوم الموعود لتغيير أسعار الطاقة، ويشم البعض رائحة زيادة في أسعار الوقود، تجد أن المحطات لم تعد تقدر على استيعاب الهجوم عليها، وكأنك تشاهد فيلما من أفلام هجوم الكائنات الفضائية على الأرض، فالجميع مستنفر والجميع صامد فيما يريد الوصول له، وغير آبه بالزحام، رغم أن هذا التغيير يأتي بالعادة (آخر الليول).

ولو وجدت نفسك (فاضي)، وسألت أحدهم عن سبب وقوفه في هذا (اللاين) والذي قد يتجاوز ساعات من الانتظار، سيجيبك، لأنني بالأمس «عبيت موتري بـ200 واليوم لو ارتفع السعر بيصير بـ220، فقلت الحق قبل لا يرتفع».

إذا فهذا «السرى» الطويل هو لتوفير 20 ريالا مثلا، وليس في كل مرة بل هو لمرة واحده فقط، وبعدها ستضطر للتعبئة «مثل الناس» بالسعر الجديد، فيسجيبك «نعم ولكن الـ20 في هذي الأيام تفرق في ميزانيتي، وأنا شخص قررت أوفر الريال»، ونسي أن سيارته هذه التي تحتاج إلى 200 ريال في كل تعبئة ليس بحاجتها من الأساس وقد تغني عنها سيارة اقتصادية «يبين في عينها الجميل ولو كان قليلا».

إلى هنا وكل الأمور «تمام»، ولكن أين تذهب بقية ميزانيتك التي تهتم بها إلى حد توفير الـ20 ريالا، فستكون إجابته كإجابة الأغلبية، فسيذكر تقسيمة يعتقد أنها عادلة بين المصروفات والاحتياجات، ولكن ستجد أن هناك 3 آلاف ريال دفعها في جهاز جوال ليس بحاجة 5% من خدماته وتقنياته، وستجد أن هناك 2000 ريال ذهبت في نفس هذا الشهر إلى جيب مطعم المضغوط والمندي بالجوار، وكان الأولى أن يوفر هذه الـ2000 إكرامية لأم العيال أو حتى العيال أنفسهم بدلا عن طبخهم هذا المضغوط في البيت في أسوأ الأحوال، وسيوفر بهذه الخطوة قرابة الـ1300 من 2000 مصاريف المطعم.

وبعدها لو التفت لكوب القهوة الذي لا بد أن يحتسيه كل «كم ساعة»، فسيجد أن سعره قد ارتفع أكثر من 40 % وليس 15 % فقط، ومع ذلك لم يفكر في شراء آلة لصنع القهوة ذاتيا في بيته، ويشرب كوبا «كل ساعة» بدلا عن كل «كم ساعة»، ورغم ذلك فإنه سيوفر إلى 70 % من خسائره لمحل الكوفي هذا والذي جلب عمالة وفتح محلا ودفع إيجارا واستورد معدات «ليس لسواد عيوننا ولا لسواد قهوتنا» بل لأنه يعلم أنه سيربح في الكوب الواحد ما لا يقل عن 40% من خسارته مهما كانت.

الغريب أننا لانعرف فيما نصرف ميزانيتنا، وتجد أننا قد «نتمحكك» على عامل مغسلة السيارات أو الحلاق لتوفير 5 ريالات في إستهلاكيات تأتي في الشهر مرة أو مرتين وغفلنا عن مصاريف يومية لسنا بحاجتها وهي ماجعلتنا نصطف عند المحطات ولسان حال جيوبنا يقول: «وفرت عشرين وأهدرت ألفين».