لا يخفى على المهتم بالعملية التعليمية في بلادنا، التوسع الكبير في افتتاح المدارس العالمية، حتى صارت تزاحم بأعدادها المدارس الحكومية أو المدارس الخاصة التي تعتمد مناهج الوزارة. فلا يكاد يخلو حي من أحياء الرياض أو شارع من وجود مدرسة عالمية تعتمد اللغة الإنجليزية في مناهجها منذ مراحل التعليم المبكر. بداية من مرحلة رياض الأطفال إلى نهاية المرحلة الثانوية، وكل هذه المدارس العالمية تُعنى بتعليم الإنجليزية بشكل مكثف جدا، فأصبح في مجتمعنا السعودي أطفال سعوديون في مرحلة رياض الأطفال لا يجيدون اللغة العربية، ويضطر الوالدان إلى التحدث مع أطفالهم باللغة الإنجليزية كنوع من البرستيج الاجتماعي، أو لأن الطفل لا يجيد لغته الأم أساسا.

لا شك أن إقبال أولياء الأمور على تعليم أبنائهم في المدارس العالمية نابع أساسا من تصورات خاطئة عن هذه المدارس، وأوهام توحي لهم بأن هذه المدارس ستضمن لأبنائهم مستقبلا زاهرا، وبعض أولياء الأمور ينظر للقضية على أنها نوع من المباهاة والمفاخرة الاجتماعية بين الأسر، نظرا لأن كثيرا من أبناء المسؤولين وصفوة المجتمع يلحقون أبناءهم بهذه المدارس.

يغيب للأسف عن وزارة التعليم أن التوسع في افتتاح المدارس العالمية يمثل خطورة كبيرة على تماسك المجتمع وتوازنه الثقافي، ولا توجد مشكلة ثقافية أكبر من وجود أطفال سعوديين لا يجيدون اللغة العربية ويتحدثون الإنجليزية حتى في منازلهم، ولا شك أن ثقافة المجتمع السعودي قائمة على اللغة العربية جملة وتفصيلا، وأي منافسة لأي لغة أجنبية سيمثل زعزعة للانتماء والهم الوطني من خلال بناء شخصية تفضل الآخر وثقافته، لارتباط اللغة بالثقافة ارتباطا وثيقا لا جدال فيه، فهذا العدد الكبير من المدارس العالمية في بلادنا عزز من دور اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية، في ظاهرة تعليمية تؤدي إلى الاستلاب الثقافي ولا تراعي جانب الخصوصية والعادات والتقاليد المحلية.

إن التعليم مرتبط بالأمن الفكري والتماسك الثقافي في كل مجتمعات العالم، وهذا النمط التعليمي في المدارس العالمية الذي يتكاثر ويتفاقم ويستجيب لاندفاع أولياء الأمور لتهيئة أطفالهم لسوق العمل منذ نعومة أظفارهم، من خلال إتقان اللغة الإنجليزية في عمر مبكر جدا، وهم يعتقدون أن المدارس العالمية سوف تقدم لأطفالهم اللسان الإنجليزي على طبق من ذهب دون المساس بثقافة الطفل وقيمه وعملية تواصله مع أفراد مجتمعه، فالطفل سيتعلم -إضافة للغة الإنجليزية- كيف يرقص الباليه على أنغام الموسيقى الغربية، ويحتفل بعيد الهالوين والكريسمس.

نحن لا نعارض التبادل العالمي في التعليم من أجل تلاقح الثقافات وليس تضادها أو تصارعها، ولكن ما نراه على أرض الواقع أن المدارس العالمية تسير في طريق أحادي المسار، وأحادي الثقافة واللغة في بيئة تعليمية لا تتصف بالتوازن الثقافي واللغوي. ومن هنا يأتي دور وزارة التعليم في إخضاع تجربة المدرسة العالمية لنظام دقيق بحيث لا يسمح بالانفلات، أو التوسع المحموم في إنشاء المدارس العالمية، حيث تصبح مناهجها ومقرراتها هي الأساس في العملية التربوية.

ولا يخفى علينا أن المنظمات التعليمية اليوم، أصبحت شركات متعددة الجنسيات وذات طابع ربحي، وهذا الكلام ينطبق حرفيا على المدارس العالمية التي يتدخل الطرف الأجنبي في عملية إنتاج الأهداف وإدارة القرار، في قضية مهمة جدا وهي قضية التعليم ما قبل الجامعي.