هل تخافين على ابنك أو ابنتك من التجارب؟، تخشين من وقع الألم عليهم؟، تبحثين دائما عن الطرق القصيرة لتحقيق سعادتهم؟، تحاولين قدر الإمكان إبعاد كل خطر قد يحيط بهم؟، ترفضين تماما أي نوع من الانتقاد أو توجيه لوم من الأقارب أو الأصدقاء على أي خطأ ارتكبه أحدهم؟، تنظرين لهم نظرة الكمال وتعتقدين أنك قمت بتربيتهم على أفضل حال؟، تتعجلين الثقة المطلقة في كل تصرفاتهم، فهم في عيونك الأفضل والأجدر، حتى وإن كانت كل المؤشرات التي تتعامين عن إبصارها تثبت عكس ذلك؟.

للأسف الشديد، أنت حين تفعلين كل ما سبق (أم أنانية).. نعم أمٌ تختار ما يريحها هي، ما يجعلها تشعر بالاطمئنان على قواعد الأمن والسلامة التي لا وجود لها سوى في مخيلتها قصيرة المدى، والتي ترى بها أطفالا دائمين لا يكبرون أبدا حتى لو شارفوا على نهايات مراحل الشباب.. أم تختار لقلبها الأمان المزيف وقناع الكمال والاقتناع المزعوم.

لقد اختارت طريقا صحيحا للنجاة بأبنائها من مصاعب ومشكلات الحياة لتجد نفسها في النهاية أول من يفشل في حل أقل الأمور تعقيدا، وأكثر المشكلات سهولة أمام أبناء لا يعرفون ما هي تجارب الحياة، وما الفرق بين النجاح والفشل، بين الصعب والمستحيل.

اهتمامك بمأكلهم وملبسهم وأناقتهم والحماية من الأمراض والعلاج السريع لآلامهم والبعد كل البعد عن الاحتكاك بأقرانهم والانتقاء الدائم وغير المبرر لمن يكلمون ومع من يتحدثون يجعل منهم شخصيات هشة غير قادرة على تحديد ما يفعلونه في الوقت المناسب حيال أي من مشكلات الحياة.

دعينا من كل النظريات العلمية والتجارب المنقولة، ولنذهب سويا لنرى ماذا قال ربنا عز وجل في كتابه العزيز عمن تخافين عليهم من تجارب الدنيا في (سورة القصص) "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ".

وإن خفت عليه فألقيه في اليم، تعطي هذه الآية درسا في الإيمان والثقة بقدر الله عز وجل، وأن الله وحده هو خير حافظا وأنه بعزته وجلاله أرحم الراحمين، أرحم بالولد من أمه يقدر له الخير وإن كان في ظاهر الخير شرا.

أكتب هذه الكلمات وأنا أشد الناس خوفا على أبنائي من الألم والتجارب والفشل، وفي خضم كل هذا الكم الهائل من الخوف تنبهت أنني رغم كل الحواجز والحدود والقيود لم أضف لأي منهم أي شيء سوى بعض الخطوط البسيطة البدائية لتخطي الصعوبات العابرة، ووجدت أنها وحدها تجاربهم الشخصية، وأنني بكل ما أحمله من محاذير لا أستطيع صد أي عقبة عنهم، وأنه قد يأتي وقت يرفضون رفضا تاما ما ألقيه عليهم من نصائح رتيبة وكلمات مملة ومكررة صلحت لوقت معين وباتت عديمة الفائدة في وقت أحبوا هم اتخاذ القرار مهما كلفهم الأمر من خسائر، وقد يكون دافعهم الأوحد فقط تخطي عقبة شرطي المرور في المنزل الذي يعيقهم عن التحرك والتفكير المستقل بحجة صادقة أو واهية وهي الخوف عليهم مما يدفعهم للتمرد ومحاولة إثبات قوة العقل أو صلاح التجارب الشخصية حتى وإن رآها البعض فاشلة في الوقت الحالي، ما يجعلني أفكر آلاف المرات في كيفية اجتيازهم للمِحن.

يدفعني هاجس قوي كله ثقه بأنهم سوف ينجون وينجحون في اجتياز الصعاب وأنه لو كانوا مطأطئي رؤوسهم طوال الوقت في السمع والطاعة العمياء لكان خوفي عليهم أكثر.

أسعد ببدايات الاستقلال التي تدفعهم لخوض معارك الحياة بمفردهم دون الرجوع في كل موقف لرأي الأم التي قد يأتي يوم ولا يجدونها بينهم، وتكون قد أخذت معها خارطة طريقهم للأبد فلا يعرفون كيف يكون السير وأي وسيلة للوصول.

الخوف على الأبناء غريزة عند كل أم، ولكن الأم الناجحة فقط هي من تسيطر عليها وتتحكم في تقنينها وعدم إشعار أبنائها بذاك المارد الوهمي الذي ينتظرهم فقط للإيذاء أو العرقلة.

الأم الفاشلة فقط هي من تورث أبناءها الخوف دون تصرف، الحذر دون بدائل، وتصدير المشاكل دون حل.

الأم الفاشلة هي من تربط بين الطاعة والاتكال فتربي شخصيات ضعيفة متهالكة تتوارى دائما من أي حجرة أو عثرة حتى وإن كانت غير مؤذية.

الصبر على النقاش حتى وإن كان حاداً أو مؤلما أو مسببا للصدام، له نكهة أفضل وأجمل من الهناء بكلمة نعم الدائمة.

أن تعطي مجتمعك ابنا يناقش ويقارن وينتقي خير من أن تعطيه إنسانا ينقل كلماتك وآراءك وما تريد أنت وكأنك تضعه في صفحات دفاتر الحفظ أسفل ورقة كربون متهالكة كتبت عليها نفس الكلمات آلاف المرات كي تحفظ وتلقى في أي اختبار دون فكر أو تجديد أو ابتكار.

إن خفت عليه فألقيه في يم الحياة وكلك ثقة وإيمان بأن الله سوف يرده إليك أفضل مما كنت تتمنين حتى وإن كان شبح الفشل يلوح من بعيد فلا تلتفتي إليه وأكملي معهم.