أكد تقرير نشره مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق GMF، أن تحركات تركيا المختلفة مؤخرا في شرق البحر الأبيض المتوسط تهدف إلى تعطيل خطط البلدان الأخرى. وبتحريك أدواتها العسكرية، واجهت تركيا خصوما إقليميين، بما في ذلك بعض حلفائها في الناتو. أجرت تركيا تدريبات بحرية ونشرت أسطولها البحري لدعم عمليات المسح السيزمي، وأحبطت جهود الحفر والتنقيب لبلدان أخرى، وبالتالي منع تسييل الموارد الطبيعية للمنطقة، ناهيك عن تورطها العسكري في الصراع الليبي. هناك ميل للنظر إلى مثل هذه الإجراءات على أنها تحركات شاذة تهدف إلى تعطيل خطط الآخرين والتي يصعب تفسيرها من خلال الاعتبارات الإستراتيجية. والاضطراب هو بالتأكيد جزء من السلوك الإقليمي لتركيا، ولكن لا يمكن التقليل من شأنه باعتباره بلا هدف، يمكن اعتبار هذه التحركات جزءا من الدبلوماسية القسرية، والتي تقوم على التهديد بالعقاب أو التهديد بالرفض لتحقيق الأهداف المرجوة.

إمعان في الهيمنة

أمعنت تركيا في المضي قدما بخطة تثير جدلا للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وتتعلق في الحقيقة بالهيمنة الإقليمية، وأطلقت سفينة «عروج ريس» لاستشكاف الغاز قبالة سواحل جزيرة كاستيلوريزو، التي تتنازع تركيا واليونان الحقوق البحرية فيها. ولوحظت السفينة إلى جنوب شرق جزيرة كريت، ترافقها فرقاطة تركية وتراقبها سفن حربية يونانية. وقال أستاذ القانون الدولي انغيلوس سيريغوس إن «تركيا تريد أن تظهر أنها القوة المهيمنة في شرق المتوسط».

إجراءات تخريبية

تعد الإجراءات التخريبية التي تقوم بها تركيا أيضا جزءا من الدبلوماسية التركية القسرية، والتي أصبحت سمة أخرى محددة لسلوكها مؤخرًا.

تسعى مثل هذه الدول المنخرطة في الدبلوماسية القسرية إما إلى ردع خصومها عن القيام بأعمال معينة أو إجبارهم على التصرف بطرق معينة، في كلتا الحالتين، تعتمد الدبلوماسية القسرية على تهديد موثوق به يعتمد في النهاية على القدرات المادية والإرادة لتوظيفها، ويمكن أن يتخذ التهديد شكلين: العقوبة أو الحرمان.

تستند أي إستراتيجية دبلوماسية قسرية على اعتقاد ضمني من جانب المبادر بأنه يمكنه التصعيد. أما إذا شعر الخصم أن لديه خيارات أفضل من خلال الانتقام بدلاً من الامتثال للتهديد فسيواجه القائم بالإكراه معضلة: إما التراجع، مما سينتج عنه تكاليف على السمعة، أو التصعيد، مما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية. لذلك فنظرا لأن أيا منهما ليس الهدف الحقيقي للدبلوماسية القسرية، يحتاج المبادر إلى الحساب بعناية قبل الانخراط في هذه الإستراتيجية.

توتر الاستعراض

اعتمد نهج التحرك التركي على استعراض القوة والتدخل المباشر في الصراعات الإقليمية، والتزام صف الجماعات الراديكالية، طالما تحقق الطموح التركي وأهداف سياساتها الاقتصادية والعسكرية، ومع توفير العوامل اللازمة لتأجيج الصراع.

وتمارس تركيا تهديدات جدية لاستقرار المنطقة عبر تحركات عسكرية خطرة، أو تمركزات عسكرية مكثفة في مناطق عدة.

وعلى غرار إسرائيل وإيران أطلقت تركيا العنان لشهواتها التوسعية، مستفيدة من انحسار هيبة القوى الكبرى، ومطلقة رغبات مكبوتة كانت الشرعية الدولية تقلم أظافرها.

سوء التفاهم

دفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بسياسة سوء التفاهم التي ينتهجها حيال العالم بأسره إلى أقصاها، في ظل غياب الإدارة الدولية، وعدم استعداد أمريكا للعب دور الشرطي الدولي، وهو دور مكلف ماليا وبشريا، ومحفوف بالأخطار، كما لم تعد أمريكا مهتمة بصورة القوة العظمى القادرة على إثبات كفاءتها في تأديب الخارجين على القانون الدولي، أو الذين يهددون استقرار جيرانهم.

لا تريد تركيا البقاء ضمن خرائطها، وهي تستخدم ذرائع مختلفة لاستثمار ضعف الشرعية الدولية والتوسع والتدخل في شؤون الآخرين، كما فعلت في سورية والعراق، وكما بنت قواعد في الصومال وقطر، وكما تدخلت عسكريا في ليبيا، وكما هددت وتهدد أوروبا باللاجئين أو تسرّب الإرهابيين.

سياق إستراتيجي

لا تحدث تحركات تركيا في فراغ، ويمكن وضع تواترها المتزايد في سياق توجه إستراتيجي حازم، يتمحور حول عسكرة أدوات السياسة الخارجية. إن اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد باستخدامها يعتمد على منطق إستراتيجي معين، فأولاً: ترتبط تصرفات تركيا مباشرة بحساباتها للقوة النسبية، وفي الواقع، إن استخدام الوسائل العسكرية جزء لا يتجزأ من صنع القرار التركي. كان عدد من التحليلات حريصة للغاية على إعلان فشل ارتباطات تركيا الإقليمية، وتجاهل كثيرون قدرتها على إجراء تدخلات لتغيير قواعد اللعبة لقلب مسار الأحداث رأساً على عقب، إما عن طريق منع تحركات الآخرين أو تغيير حساباتهم. ولكن حدثت حالة ملحوظة مؤخرا أثناء استفتاء الاستقلال في حكومة إقليم كردستان العراق (KRG) في عام 2017 عندما اتخذت تركيا خطوات غير متوقعة لتعطيل حسابات الرئيس مسعود بارزاني. كذلك في شرق البحر الأبيض المتوسط، كانت هذه الديناميكية حاضرة أيضا، كما اتضح بشكل صارخ في حالة ليبيا والخلافات المستمرة حول التنقيب عن موارد الهيدروكربون البحرية.

أهداف وأشكال التحرك التركي في المنطقة

تعطيل خطط البلدان الأخرى

إثارة الاضطراب كهدف إستراتيجي

استخدام الدبلوماسية القسرية عبر العقاب أو التهديد به

الظهور بمظهر المهيمن في المنطقة

عسكرة أدوات السياسة الخارجية

استخدام القوة

أو التهديد كجزء من صنع القرار

استخدام القسر لردع الخصوم عن القيام بأعمال معينة

استعراض القوة والتدخل المباشر في الصراعات الإقليمية

التزام صف الجماعات الراديكالية التي تحقق الطموح التركي

ممارسة التهديد عبر التحركات العسكرية الخطرة

إطلاق العنان لشهواتها التوسعية

الاستفادة من انحسار هيبة القوى الكبرى

الدفع بسياسة سوء التفاهم حيال العالم بأسره إلى أقصاها

استخدام ذرائع مختلفة لاستثمار ضعف الشرعية الدولية