التنبيه عن الآفات الفكرية يتكرر، وتكراره أمر مقبول، لا سيما أنها آفات متواصلة، والقضاء عليها مطلوب الإسراع فيه؛ وهنا أكتب عن آفة الخوض في أمور الدين، دون علم أو فقه، والمعاناة من هذا الأمر ربما يمكن تلخيصها في مخرجات من يقرأ كتابا، أو بعض كتاب عن الدين، أو يحضر درسا أو درسين، أو يحفظ حديثا أو حديثين، ويعتقد أنه صار مؤهلا للكلام عن الدين، والفتوى في مسائل الشرع الحنيف..

من هؤلاء الذين سبق الحديث عنهم أعلاه، من يجادل ويستميت ليؤكد أنه لا خجل من نسبة الإرهاب إلى الإسلام، ويستدل على هذا الزعم بقول الحق، سبحانه وتعالى، في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}، ويتوقف عند لفظة {ترهبون}، ويظنها من الإرهاب الذي يريده، والذي فيه العدوان على الآمنين المطمئنين، مع أن المقصود منها هو التخويف لرد العدوان، واتخاذ كل ما يكفل ذلك، من احتياطات وترتيبات، وليس التدمير والترويع..

يبين هذا القصد قول المولى، جل جلاله، في سورة البقرة: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وقوله تعالى، في سورة الأنفال: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وقوله تعالى، في سورة المائدة: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}، وغير ذلك من الآيات الشريفة التي تثبت أن الإسلام لم يعمل في يوم من الأيام إلا إلى الحفاظ على النفس الإنسانية، دونما ترويع، أو عدوان، وأن الخلط بين الإرهاب، والدفاع عن الحقوق المسلوبة مرفوض، وليس هو من الإرهاب الذي يحاول البعض إلصاقه بالإسلام، كذا بغيره من الديانات..

سيفشل كل من يريد إلصاق الإرهاب بالأديان، ومن فتش في دين الإسلام سيجد أن الإنسان، وكما ورد في الأثر: «بنيان الله، وملعون من هدم بنيانه»، ومعناه أن الله تعالى جعل نفس الإنسان محرمة، ولا يحق لأحد امتهانها، أو أن يمسها بأذى، ولأجل ترسيخ هذه المعاني أرسل لهم رسله وأنبياءه، ومنهم خاتمتهم، صلوات ربي وسلامه عليه، الذي وصفه بقوله جل جلاله، في سورة الأنبياء: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وبقوله تعالى، في سورة التوبة: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيم}، وكل هذا وغيره يؤكد أن السلام (رمز) الإسلام.