من أول نظرة على عنوان المقال قد يحكم بعض أعزائي القراء بأنه يشير إلى الأدوية، ولا نلومهم، فكثير منا لا يعرف معنى أو أهمية انتهاء الصلاحية إلا عندما نمرض ونحتاج الدواء، بل ربما البعض أصلا لا ينظرون إلى تاريخ الصلاحية لا قبل ولا بعد الاستعمال.

أما صلاحية المواد الغذائية والعصيرات والألبان وغيرها فحدث ولا حرج.

البعض منا بس يلغلغ وأحيانا بعد ما يلهط وتمتلئ العدوة «البطن» يحلا لنا ويروق الجو نرجع نناظر في تاريخ الصلاحية، وتكون قد طارت الطيور بأرزاقها وعاثت الجراثيم والمواد الضارة بأمعائنا فسادا، مع ملاحظة أنه يقال إن كثيرا مما كتب عن انتهاء الصلاحية قد يكون غير دقيق «ولا شعير»، والهدف هو تجاري بحت لكي ترميه وتشتري غيره، ومكينة شفط الشركات لجيوب المستهلكين تظل دايرة على حل شعرها.

ويهدر الأمريكيون وحدهم ما يقدر بـ30 % من المواد الغذائية وهو ما يكفي لإطعام حوالي 30 مليون بني آدم سنوياً.. الصراحة ما دققت... هم بنو آدم من الدول المتحضرة أو من الغلابا الذين يطلق عليهم العالم الثاني، وهم يا عيني عليهم حتى الثالث ما يلحقونه ـ.

طبعا كانت حتفرق النسبة، فهؤلاء الغلابا قد يرضون بكسرة عيش مع شوية ملح، وفي الضرورة خبزة وبدون ملح، لأنه مش ضروري يكون بينهم وبين من يرمون تلك البقايا في النفايات عيش وملح.

وانتهاء الصلاحية ليست وقفاً على تلك الأشياء من أطعمة وأدوية وما شابه، بل قد يحكم كثير من الناس على أنفسهم إذا ما بلغوا من العمرعتيا، أو حتى دون ذلك، أو يحكم عليهم المحيطون بهم أو بمن له معرفة بهم أنهم أصبحوا منتهي الصلاحية، أو يشير نفر منهم على أحدهم «يا رجال هذا شيبة مولي»، أو «زهمر وما عنده ما عند جدتي». ولا «تراه أصبح رجال مزفي».

طبعا حدث ولا حرج عن تعامل معظم المؤسسات المالية والصحية وشركات التأمين، فأنت ممنوع من الاقتراض من البنوك، فوجودك أصبح عبثيا، وأصبحت عالة على المجتمع، والمفروض تستحي على نفسك وتقعد في البيت، وبلا طمع خلي غيرك يأكل عيش.

وهناك من يقول كمجاملة ولرفع الروح المعنوية لكبار السن «دا انتم الخير والبركة»، ويذكرنا ذلك بقول بائع البط أو الفراخ عندما المشتري يقول ايه دي البطة يا راجل دي عجوزة، فيرد عليه البائع عندما لا يجد مخرجاً دا الدهن في العتاقي يا باشا.

وحتما مع التقدم في العمر، لن يعطينا الجسد كامل الكفاءة، ولا نستطيع العودة به إلى أيام الصبا والتصابي، إن الجسد في وقت ما ليس مطلوباً أن يكون كله قابلا للاستخدام، أو بعبارة أخرى، إذا تعطل جزء منه، ليس بالضرورة أن يتداعي باقي الجسد له بما لذ وطاب من الأعمال، أما الروح فقد تشيخ، وقد تظل في ريعان الحياة ولم أقل الشباب لأنه إذا شاخت ربما قد تأتي قطرات حب أو حزن أو مواقف جميلة تعيدها إلى عنفوانها العاطفي.

الماضي لا يندثر ولكن يختبئ، وعند الحاجة إليه ستدل عليه بوصلة إحساسك، فتجده حيث أردت في ثنايا العقل والقلب والروح، ولا يمنع أن تجده مرة أو أكثر في مكمن من جسدك خلته مات.

نصيحة لمن لم يبلغ الـ65 من العمر، يا تلحق يا ما تلحق، تقدم الآن إذا ودك قرض أو تأمين أو تمويل أو أي حاجة، لا تعتمد على القرش الذي في جيبك، والذي هو أصبح نادرا كما الغول والعنقاء ومع بالغ الأسى والأسف والبقية في حياتكم أيضا كما الخل الوفي.

إذا ودك واحدة من تلك الخدمات انسى ما بعد الخامسة والستين فأنت الآن مجرد رقم على هامش الحياة، ولا عزاء لكبار السن فذنبهم على عمرهم.. آسف قصدي على جنبهم الذي أصبح يوجعهم ولا يزال الوجع مستمراً.