تخلى عن كل من يرتبط معه بدم إلا فراشه الذي تلون بالأحمر لالتصاقه بجروحه التي لا تهدأ حتى في نومه تحت آلام الكوابيس وصرخات الاستغاثة دون صوت في غرفة سفلية معزولة عن العالم، وحده هو وحده يلتف حول نفسه يجدها بلا جدوى إلا من بقايا متناثرة متنافرة عن بعضها، لم تعد تدري شيئاً أي شيء سوى ذلك الشتات اللامتناهي، الرامي به يميناً ويساراً عبثاً لإدراك نفسه العابسة الشاردة التي تأبى أن تتماسك والأحمال تهتز لها أوتاد الجبال، وكيف لنفس أن تصمد أمام ما يدغدغ المشاعر، ويهدم العقل، ويُضيع الطريق، ويُخفي الدافع للحياة؟!، ومن يتجرأ على كسر مرآة الحياة، وتدنيس وجهها الجميل لقطع أوتار الحب والرحمة وإزعاج السكينة في خيمة الفرحة؟! وماذا يتبقى للإنسان بعد ما يتجرد من كل ما يزين وجوده، وينتزع جذوره لتجف وتتصلب؟! فلا يتبقى منه إلا ما ليس له معنى حتى يتسلل إلى أدنى المراتب أسفل الجمادات، وتتبرأ منه كل الموجودات لتعلن عدمه للأبد.

انتبه ذلك البائس لصوت حشرة تأكل من ورقة مهملة، فانتزعها راجياً أن يكون فيها الدواء الناجع، فما كانت سوى رسالة من جده للكنز المخفي الذي لا يستحقه إلا من تحققت فيه شروطه، وتتبع الطريق المرسوم، فانتفض من مكانه ليلتهم تلك الكلمات التي انعقدت معها آخر ما تبقى من آماله، ربما تحمل له النقطة الأخيرة من رحمة الأقدار بعد كل تلك المعاناة التي لا تعرف معنى الإنسانية أو سبيلاً لها، وإنما كان استخفاف كل من رأى تلك الرسالة نابعا من عدم تصديقهم لفحواها كضرب من ضروب الكهانة التي تحمل الإنسان إلى أعلى الأماني حتى يناله من الانهيار الكامل ما يناله عند السقوط، ولكن تسللت تلك الرسالة إلى فؤاده فصدقها وتصالح مع نفسه واستوعبها كاملة، وتعاهد بأغلظ المواثيق أن يطبق كل ما فيها وهو مؤمن بشغف لا يعلوه شغف، فوجد أن لها شروطاً وعناصر ومقومات عشرة إن استكملها يقيناً وعملاً فهو أهل ومستحق لذلك الكنز الفريد، فأخذ يساوم نفسه مرة أخرى للتراجع المستسلم، أو الاقتحام الجريء، فالمسألة ليست هزلاً عبثياً لا طائل وراءه، بل نقلة نوعية كاملة تلتقطه من السباحة في المستنقع القذر كالأسماك الميتة، وليعلو بنفسه فوق الرذائل ويجنبها مؤونة تجرع كؤوس الألم وإسكات صوت ضميره المحتضر والمحاولات اليائسة لإخفاء تقيحات جروحه.

برزت شروط الرسالة العشرة أمامه، فبدأ فوراً في تحقيقها، إرادة جازمة، نية مخلصة، وفاء للعمل، حب للخير، شغف بالعمل، مثابرة عنيدة، طهارة كاملة، رؤية للهدف، خطة متكاملة، يقين بالنجاح. ولم يتوان لحظة للتفريط في أي شرط حتى يلامسه بيده، ثم جاءت العناصر العشرة تناديه حماس، إعمال العقل، الإبداع، القراءة، العلم، التغيير، القوة، الخيال، الانتماء، والخير، ثم ظهرت المقومات العشرة الاستعداد، التوقع، التحضير، التربص، الجرأة، الاستيعاب، اللطف، التحكم، التوجيه، والاستمرارية. فتجمعت كل تلك المقومات في قلبه مع مجاورة الشروط والعناصر العشرة، وبذلك اجتاز كل تلك الأدوار العشرة بجسارةٍ لتكتمل السيمفونية العشرية الرائعة للمعنى الإنساني الرفيع في أكمل تجلياته الروحانية السامية التي تعكس القيمة العليا للوجود البشري المستحق لتلك السجايا، فأينما وضع قدمه في أي دور من الأدوار بسط شباك عينيه للدور الأعلى، حتى استكمل الرسالة ليصل في النهاية للدور الحادي عشر، فيجد الكنز في الشقة 1102، وتلك الجائزة الكبرى كانت نفسه، فما أعظم ما وجد والتي طالما بحث عنها بلهفة وهي تأبي إلا أن تكون في «الدور 11 شقة 1102».