كان الانتصار السياسي لحزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عام 2002 بمثابة بداية لتنفيذ برنامج التغيير المتواصل لتركيا. هو تغيير أراده إردوغان وسعى إلى تنفيذه تحت شعارات تغيرت مرحلياً، فقد ركز بداية على احترام علمانية تركيا، ثم بدأ يضيق على العلمانية، مقابل صعود سياسي لحزبه الذي يجعل من الإسلام أداة استقطاب مهمة للأتراك، ومع هذا الصعود، وفي المرحلة الثانية من رئاسته، بدأ يغازل حلم الخلافة، أو يدعيها رغم أن أجيالا من الأتراك لم يعرفوها، ولم يرتبطوا بها عاطفياً، وبدأ شيئاً فشيئاً يبتعد عن الغرب، ويقترب من إيران التي تشاركه ادعاء هذا الحلم والدعوة إليه.

تشكيل سياسي

حين انتصر حزب العدالة في انتخابات 2002، بدأ إردوغان يضايق وصي العلمانية التركي (الجيش والأجهزة الأمنية) ويسعى للسيطرة عليهما، واستغل محاولاتهما الانقلابية التي امتدت على مدى 6 عقود، وطالت إحداها إردوغان نفسه، ليحاربهما بها، محاولاً إضعاف الديمقراطية، والإنعاش التدريجي للذاكرة العثمانية في الخطاب العام بكل ما يعنيه ذلك من دغدغة للمشاعر، لكنه كان يغرق أكثر فأكثر في تناقضات بين ما إن كان يتخيل دولة إسلامية، أو يلوح بالقومية للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة.

رغبة مكشوفة

في يوليو الماضي، رممت كنيسة آيا صوفيا، وحولت إلى مسجد، بعدما تم تحويلها سابقا إلى متحف في عام 1930 من قبل كمال أتاتورك.

عززت هذه الخطوة ـ العاطفية ـ الاعتقاد بأن عملية الأسلمة تهدف إلى جعل تركيا مركز قوة إسلامية، وبالتالي دولة إسلامية، حتى أن البعض جادل بأن حملة إردوغان في جوهرها تهدف إلى تغيير الوضع العلماني الراهن. منذ وصول إردوغان للحكم بات الأتراك أكثر صراحة بشأن إسلامهم، وبات رئيسهم يتطلع إلى مخاطبة العالم والمسلمين فيه كأنه زعيم إسلامي لدولة إسلامية من شأنها أن تجمعهم تحت ظلالها.

انقلاب ناعم

منذ عام 1923، عندما أصبحت تركيا دولة، تم تعزيز الكمالية الأتاتوركية كأيديولوجية وطنية وتقدمية.

بعد عام 1950، بدأت الإسلاموية في تركيا تظهر من جديد، وأكّدت تدريجيا على الفضاء السياسي خلال السبعينيات. في التسعينيات، نجح الإسلام السياسي في تأمين أرضية سياسية بانتصاراته الانتخابية في عامي 1994 و1996، حيث أصبح نجم الدين أربكان أول رئيس وزراء إسلامي، لكن انقلابا ناعما في عام 1997 أعاد الكمالية مرة أخرى إلى الصدارة السياسية.

مع مطلع القرن، حاول الإسلاميون أن يكونوا أكثر تكيفا، فدافعوا عن حرية العيش في ظل دين نقي إسلاميا، وفي نفس الوقت يحترمون العلمانية والتعددية.

وشهد العقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية التابع لإردوغان (2002 - 2013) الأيديولوجية العلمانية والحرية الدينية والنموذج الأنجلو ساكسوني على أنها المبادئ التوجيهية لتركيا، لكنه مع ذلك نجح شيئا فشيئا في تهميش الكماليين والجيش والقضاء من خلال بعض التعديلات الدستورية.

علامة فارقة

تعد الولاية الثالثة لحكم إردوغان علامة فارقة، ففي الوقت الذي بدا فيه أنه يحمل المبادئ الديمقراطية إلى جانب الطموحات الإسلامية لكسب دعم الناس، أطلق لطموحاته العنان في الولاية الثالثة، حيث حرص إردوغان على شغل المناصب المهمة مع أنصاره باسم إعادة الهيكلة، وابتعد حزبه عن شركائه الغربيين التقليديين وأقام علاقات مع إيران.

وبدأ إردوغان في هذه الولاية الثالثة التركيز على الدعوة مرارا وتكرارا إلى الخلافة بينما كان يخاطب المجتمع الإسلامي العالمي (الأمة).

على خطى داعش والقاعدة

بقيت تركيا دولة علمانية لعقود، ولذا كان الرهان هل سيقبل الشعب بالتوجهات الإسلامية التي يحاول إردوغان مغازلتهم عبرها، وهل ينوي إردوغان حقا إقامة خلافة؟

بعد انخراط تركيا المتزايد مع إيران (الدولة التي تدعم الخلافة بقوة)، يتكهن معظم العالم بأن إردوغان يرغب حقا في إقامة دولة الخلافة، وكون تركيا دولة ذات أغلبية مسلمة ستفيد نواياه.

ومع ذلك فإن إنشاء دولة خلافة في عالم اليوم ليس بهذه البساطة، وتطبيقه أمر معقد للغاية، وتبدو دعوات إردوغان إليه شبيهة بدعوات داعش والقاعدة، وهي تصطدم كذلك بمفهوم الدولة القومية الحديثة، وبالحدود الإقليمية وغيرها، ما يجعل إنشاء مثل هذه الخلافة أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع فمن الصعب جمع كل المسلمين المنتشرين في كل أصقاع العالم العالم تحت مظلة واحدة.

ومع كل العقبات والتعقيدات، فإن تشكيل الخلافة شبه مستحيل، وبالتالي، فإنه يمكن التكهن بأن التحولات الاجتماعية والسياسية لإردوغان لا تهدف إلى بناء خلافة، لكنها قد تحول تركيا إلى دولة استبدادية، وتعزز رغبته في الاستمرار في السلطة.

صعوبات تهدد حلم الخلافة

- صعوبة جمع المسلمين المنتشرين في العالم تحت حكم واحد

- سيادة مفهوم الدولة القومية الحديثة لعقود طويلة

- الحدود الإقليمية التي توزع المسلمين في دول شتى

- الانقسامات المذهبية للمسلمين

الأهداف الحقيقية لإردوغان

- الاستمرار في السلطة

- تحويل تركيا إلى دولة استبدادية

- الاستفادة من الأغلبية المسلمة

- إضعاف الديمقراطية

خطوات إردوغان في السلطة

- تقويض سلطة الجيش والأمن والقضاء

- الهيمنة على السلطة بتفويض المناصب لأنصاره

- الإنعاش التدريجي للذاكرة العثمانية في الخطاب العام