في الوقت الذي حصرت فيه اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة (ومنها الجامعات السعودية على وجه الخصوص) مهام تلك الوحدات في 13 مهمة إدارية ومالية، إلا أن الخلفية العملية لمنسوبي تلك الوحدات، جعلت تركيزهم الأهم على المهام المالية مقارنة بالمهام الأخرى، ناهيك عن وجود جهات بالجامعات منوطة بملفات الاعتماد الأكاديمي – ممثلة بعمادة التطوير وضمان الجودة - والتي في جوهرها تمثل عملية مراجعة على الأعمال الأكاديمية مما يختزل دور وحدات المراجعة الداخلية على مراجعة أعمال هذه العمادات.

ويبدو تناول المراجعة الداخلية في الجامعات مهماً للغاية، خصوصا مع اعتماد نظام جديد لهذه الجامعات منحها مزيدا من الاستقلالية، خصوصاً أن هذه المراجعة تعد الخط الأول لهذه الجامعات في وجه الجـــهات الرقابية الأخرى.

الجامعات السعودية

يمثل التعليم العالي في المملكة أحد أهم الركائز الأساسية التي تعمل عليها الدولة، ولذلك جاءت رؤية المملكة 2030 بتطويرات هائلة لهذا القطاع، وبدعم لا محدود تجاه إنجاح مسيرته المتعددة سواءً في التعليم العام أو التعليم العالي.

ولهذا الأمر، فقد توسعت وزارة التعليم في إنشاء الجامعات الحكومية حتى وصلت إلى 29 جامعة حكومية متوزعة على كافة مدن ومحافظات المملكة، ويتم التدريس فيها بأرقى القاعات والوسائل التعليمية الحديثة.

هذا الأمر ألزم الجامعات بالتوسع في مراقبة أدائها، وأداء العاملين والمتعاملين معها، وبذلك أنشأت جهات ولجان رقابية تتابع سير العمليات الإدارية والأكاديمية والمالية فيها، مما يحسن من مستوياتها ويحفظ لها من تطوراتها المتسارعة.

مفهوم المراجعة الداخلية

ينظر دائماً للمراجعة الداخلية ولمهامها المتعددة على أنها من المهام المحاسبية المتخصصة في القطاع الخاص، وهذا الأمر غير صحيح، وذلك لأن المراجعة الداخلية تعد خط الدفاع الأول للجهة سواءً حكومية أو خاصة في وجه الجهات الرقابية الأخرى.

وقد قطعت المراجعة الداخلية في القطاع العام مشواراً متميزاً في هذا الجانب، وخصوصاً في الجامعات السعودية، حيث تتمتع إدارات المراجعة الداخلية فيها بحضور جيد، مما مكنها من إقامة ملتقاها الأول في بداية الربع الثاني من العام 2019 بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز.

بداياتها

يشير الباحثان في جامعة الملك فيصل، الدكتور عبدالرحمن الجبر، والدكتور عائذ المبارك، إلى أن المراجعة الداخلية مهنة حديثة بشكل عام، وقد تأسست في القطاع العام، بما في ذلك الجامعات بقرار من مجلس الوزراء رقم 235 عام 1425 الموافق (2004)، وتم تفعيلها بعد إقرار اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة (اللائحة) عام 1428 (2007) بقرار مجلس الوزراء رقم 129.

وعلى الرغم من ذلك، فإن تاريخ تأسيس وحدات المراجعة الداخلية في الجامعات يتباين من 1429 حتى عام 1440، حيث يرجع ذلك الاختلاف إلى حداثة بعض الجامعات، وكذلك إلى وجود تداخل بين دور الوحدات، ودور إدارات المتابعة، والذي تمت معالجته جذرياً بصدور قرار مجلس الوزراء رقم 412 عام 1441 (2020) والذي قضى بإلغاء إدارات المتابعة في الجهات الحكومية، وتوزيع مسؤولياتها على وحدة المراجعة الداخلية وجهات أخرى.

المساهمة في التقييم

يضيف الباحثان المتخصصان في هذا الجانب أن مساهمة المراجعة الداخلية في تقييم عمل الجامعات الأكاديمي والتعليمي والإداري، يعد جوهر عمل وظيفة المراجعة الداخلية، وذلك بتمثلها في التقييم والمساهمة برفع فاعلية إدارة المخاطر وأنظمة الرقابة الداخلية وممارسات الحوكمة بالمنشآت، والتي تنعكس في مجملها على تجويد أداء الأعمال ورفع قيمة المنشأة.

13 مهمة

يشير الجبر والمبارك إلى أن المادة العاشرة من اللائحة، حصرت مهام الوحدات في 13 مهمة إدارية ومالية، منها مهمة «تقويم مستوى إنجاز الجهة لأهدافها الموضوعة وتحليل أسباب الانحراف إن وجد»، مما يدل بالضرورة على أن نطاق عمليات المراجعة الداخلية يغطي كافة الجوانب الأكاديمية والإدارية والمالية.

العمل المالي

رأى الجبر ومبارك في دراسة لهما أن وحدات المراجعة الداخلية تركز بشكل أكبر على المهام المالية مقارنة بالمهام الأخرى، وهو ما يمكن عزوه لعدة أسباب:

ـ أولاً: تركّز خبرات منسوبي الوحدات في المجالات المالية – خصوصاً في مرحلة تأسيس الوحدات -، نتيجة قيامهم بهذه المهام عند عملهم في الإدارات المالية وإدارات المستودعات قبل استحداث وحدات المراجعة الداخلية، إضافة إلى احتكاكهم بالديوان العام للمحاسبة، والذي يركز بشكل أكبر على الجوانب المالية.

بعبارة أخرى، الخلفية العملية لمنسوبي هذه الوحدات يمكن أن تدفعهم للتركيز على الجوانب التي سبق لهم العمل عليها.

ـ ثانياً: وجود جهات بالجامعات منوطة بملفات الاعتماد الأكاديمي – ممثلة بعمادة التطوير وضمان الجودة - والتي في جوهرها تمثل عملية مراجعة على الأعمال الأكاديمية، مما يختزل دور وحدات المراجعة الداخلية على مراجعة أعمال هذه العمادات.

تفعيل المراجعة الداخلية:

لتفعيل أعمال وحدات المراجعة الداخلية، أكد الجبر والمبارك على أهمية تبسيط وتوضيح مهام وحدات المراجعة الداخلية بالشكل الذي يتواءم مع المعايير الدولية للمراجعة الداخلية، من خلال إعادة صياغة اللائحة وإطلاق أدلة رسمية استرشادية على مستوى القطاعات، وذلك بسبب تباين عمليتها (مثلاً على مستوى الجامعات)، ودعم وحدات المراجعة الداخلية بالكفاءات البشرية المؤهلة، وتقديم التدريب المستمر لهم، وتعزيز التعاون بين وحدات المراجعة الداخلية والديوان العام للمحاسبة، واستحداث برنامج تقييم وضبط الجودة بين وحدات المراجعة الداخلية في الجامعات وعلى مستوى القطاع العام ككل.

عوامل النجاح

يعتقد مدير المراجعة الداخلية في جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز، زيد الرفاعي، أن عوامل نجاح أعمال المراجعة الداخلية في القطاع العام ككل وفي الجامعات بشكل خاص تتأثر بعدة عوامل، ولكن هناك عاملان رئيسيان يعدان محور الأساس في هذا النجاح:

ـ الأول: دعم وقناعة الإدارة العليا أو المسؤول الأول بمهام المراجعة الداخلية، وما تقوم به من مهام تحمي من خلالها أهداف الجامعة الإستراتيجية والأهداف التنفيذية لكافة وحداتها.

ـ الثاني: اختيار المؤهلين في مجال معايير المراجعة الداخلية المهنية والمتميزين من الموظفين للعمل في وحدات المراجعة الداخلية، وكذلك اهتمام الإدارة العليا بتطوير مهاراتهم وتدريبهم بشكل مستمر، وتقييم أدائهم، وأداء الوحدة بشكل دوري سواءً من جهات خارجية أو داخلية من خلال إدارة المراجعة الداخلية بذاتها.

تطمينات لأصحاب القرار

تشير هيا القحطاني، الباحثة في مجال التعاقب الإداري للقيادات الحكومية إلى أن المراجعة الداخلية يعوّل عليها في أن تقدم تطمينات وتأكيدات لأصحاب القرارات العليا، وفي نفس الجانب، عليها أن تقدم الجوانب التي ترى فيها اختلالات إدارية قد تضر بالمؤسسة ككل، وأن توجّه أنظار المسؤول الأعلى بشكل صحيح إلى مكامن الخلل حتى ولو كانت تلك المكامن مؤذية.

وتضيف بأن أعمال المراجعة الداخلية تعد أعمالا فكرية من الدرجة الأولى، وبأنها تحتاج إلى بصيرة إدارية متميزة لتكتشف الأخطاء التي ليس من الضرورة أن تكون دوما واضحة وجلية للعيان، ولذلك فإن عليها كوحدة أن تقدم أبرز ما لديها من جهود وإمكانات في سبيل إيضاح الحقائق أمام المسؤول.

المراجعة والنظام الجديد

توضح الدكتورة منى العتيبي المهتمة والكاتبة في الشأن العام والشؤون التعليمية أن مسيرة التطوير التي تشهدها بلادنا كل عام لمواكبة الركض العالمي العلمي والحضاري، تتجه بجامعاتنا السعودية اليوم نحو الاستقلالية الكلية، التي تمنحها حق التخلص من الإجراءات البيروقراطية.

وتقول «حتى تنجح هذه المسيرة وتحقق التوجهات المطلوبة في الاستقلالية المنضبطة على الجامعات المستقلة وغير المستقلة، فإنه من الضرورة بمكان أن تبادر في صناعة نظام داخلي يسهم في المراقبة الداخلية لكافة إجراءاتها، هذا النظام الداخلي لا يأتي بصورته الحالية الثابتة، والتي نرى أحيانا جمودها في الأنظمة وروتينيتها، بل لابد أن تكون هناك أنظمة متطورة شفافة غير جامدة، ويكون لها أهدافها القصيرة المدى وأهدافها الطويلة أو المستقبلية البعيدة، وهذا سيضمن للجامعة تحقيقها أهداف الاستقلالية الممنوحة لها».

وتضيف الدكتورة العتيبي «على قيادات الجامعات عند تطبيقها النظام الجديد، ألا تقفز فورا نحو تحقيق أهدافها البعيدة جدا، إنما تبدأ من أهدافها القصيرة والمتاحة، والتي يمكنها من خلالها تحقيق النجاحات الملموسة في المجتمع وكسب ثقته، خاصة وأن نظام الجامعات الجديد في التصور العام للمواطن السعودي سيعالج ملفات عدة تعثرت سابقا، منها تلبية حاجة سوق العمل بالكوادر المتخصصة، كما أنها ستحقق شغف كثير من أبنائنا الحالمين الذين يلوذون بالابتعاث الخارجي عوضا عن الداخلي لتلبية شغفهم وميولهم الدراسي».

وتتابع «في هذا الإطار، على الجامعات في نظامها الجديد التركيز على احتياجات الدولة في قطاعيها الحكومي والخاص، كما أن عليها الاستفادة من الإرث التاريخي الكبير الذي تركه النظام القديم».

أهداف المراجعة الداخلية

01 حماية الأموال والممتلكات العامة

02 الحد من وقوع الغش والأخطاء

03 اكتشاف الأخطاء والتجاوزات فور وقوعها

04 ضمان دقة البيانات المالية والسجلات المحاسبية واكتمالها

05 ضمان فاعلية العمليات الإدارية والمالية وكفايتها

من مهام وحدات المراجعة الداخلية

تقويم أنظمة الرقابة الداخلية، بما في ذلك النظام المحاسبي

التأكد من التزام الجهة بالأنظمة واللوائح والتعليمات والإجراءات المالية

تقويم مدى كفاية الخطة التنظيمية للجهة من حيث وضوح السلطات والمسؤوليات وفصل الاختصاصات

تقويم مستوى إنجاز الجهة لأهدافها الموضوعة، وتحليل أسباب الاختلاف إن وجد

تحديد مواطن سوء استخدام الجهة لمواردها المادية والبشرية

فحص المستندات الخاصة بالمصروفات والإيرادات للتأكد من كونها صحيحة ونظامية

فحص السجلات المحاسبية للتأكد من انتظام القيود وصحتها وسلامة التوجيه المحاسبي

مراجعة العقود والاتفاقات المبرمة التي تكون الجهة طرفاً فيها للتأكد من مدى التقيد بها

مراجعة أعمال الصناديق وفحص دفاترها وسجلاتها ومستنداتها، والتحقق من موافقة الجرد للقواعد والإجراءات.

مراجعة أعمال المستودعات، وفحص دفاترها وسجلاتها ومستنداتها.

مراجعة التقارير المالية والحسابات الختامية للتأكد من دقتها وموافقتها للأنظمة

تقديم المشورة عند بحث مشروع الموازنة التقديرية للجهة

الأعمال التي تكلف بها من المسؤول الأول في الجهة في مجال اختصاصاتها