ينظر الكثيرون إلى جائحة كورونا بأنها أمر سلبي تمامًا، فقد بدأ جليًا منذ بداية الجائحة، إلى الآن حجم الأثر الاقتصادي للجائحة الذي عصف باقتصادات كبرى الدول، وأدّى إلى تدهور ملحوظ في نتائج أعمال كبرى الشركات.. ولكن إذا ما نظرنا خارج إطار ما هو سيئ وسلبي فإننا سنجد بعض الأمور الإيجابية أيضًا، فليس في هذه الحياة الدنيا شر محض، فكم من ضرٍ ساهم في نهضة وتقدم ورقي، ورب ضارة نافعة، (... فعسى أن تكرهوا شيـئا ویجعل اللَّه فیه خیرا كثیرا).

فالحاجة البشرية لبقاء النوع الإنساني تسهم في تقدم الحضارة الإنسانية حفاظًا على هذا الإنسان، فيجد الإنسان نفسه مدفوعًا لعمل ما فيه خير البشرية، وبهذه الحاجة الفطرية تتقدم الحضارة البشرية.

فعلى الجانب الصحى مثلًا، نرى أن مستوى الاهتمام بالصحة، على المستوى الشخصي أصبح أكبر، وكذلك الالتزام بالنظافة والرياضة، أصبح من ضمن جدول أعمال الأفراد، في المجتمع بشكل أكثر جدية.

ومن الجوانب التي أراها أيضًا تدخل في هذا السياق، كيف أدَّت هذه الجائحة إلى التحول في استخدام الوسائل الافتراضية؟، لإدارة وإنجاز الأعمال في جميع بلدان العالم، ومنها المملكة، وفي مختلف القطاعات وفي المجالين الاقتصادي والتجاري؟ مما أدّى لتخفيف تكاليف التشغيل، وذلك عبر تطبيق أفضل آليات وسائل التقنية.

ولقد أصبحت وسائل التقنية أكثر شيوعًا وصداقة عند استخدامها من قبل فئات المجتمع كافة. وقد دفعت هذه الجائحة الكثير من قطاعات الأعمال لرفع كفاءة تشغيل تطبيقات وسائل التقنية التي تساعد على إدارة الأعمال افتراضيا، وواجهت القطاعات تحديًا كبيرًا في التشغيل والتعامل مع نقص التدفق النقدي، وإدارة الأعمال افتراضيًا، بالصورة التي تتماشى مع تداعيات الجائحة، حيث نجحت إلى حدٍ كبيرٍ، في تخفيف التكاليف، من خلال تطبيقاتها لوسائل التقنية، بصورةٍ عمليةٍ مفيدةٍ.

ونجد أن تطبيقات التقنيات في مجال الأعمال، سواءً أكانت بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، تساعد في تعزيز ودعم موجهات التحول إلى الاقتصاد الرقمي، والذي يعد خيارًا إستراتيجيًا، تسير على نهجه حكومة المملكة، إلى جانب القطاع الخاص، وذلك انطلاقا من مبدأ العمل التشاركي.

لقد هيَّأت المملكة، عن طريق القطاعين العام والخاص ومنذ وقتٍ مبكرٍ بيئتها وبنيتها التحتية التي تتوافق مع متطلبات التحول إلى الاقتصاد الرقمي، والتي تقوم على مطلبين أساسيين، هما: سد الفجوة الرقمية، عن طريق تحويل الإنترنت لخدمة عامة، ميسورة التكلفة ومستقرة وآمنة، بجانب تطبيق اللوائح والتشريعات التي تضمن التنافس، بين الشركات ومواءمة مهارات العمل والعمال، بما يتناسب مع متطلبات الاقتصاد الرقمي.

وقد وصلت المملكة -بفضل الله- إلى مستويات متقدمة، في مجال التحول من الاقتصاد التقليدي إلى تحديات الاقتصاد الرقمي الحديث، حيث تدعم هذه الخطوات وحدة التحول الرقمي التي تم تأسيسها منذ عام 2017، والتي هيَّأت البيئة التشريعية المناسبة، لمواكبة التطورات المتسارعة في التحول الرقمي، بوجه عام، كما تعمل بصور متواصلة على مواكبة التشريعات والتقنيات المتقدمة عالميًا، في هذا المجال.

ويمثل رأس المال البشري، أو الموارد البشرية، أهم القواعد التي ترتكز عليها سياسة الاقتصاد الرقمي، باعتبارها المحرك الرئيس لهذه السياسة، ومن هنا تحرص الجهات المختصة في حكومة المملكة على خلق وظائف تساعد على تحسين أساليب وظروف العمل، وهذا بالتأكيد يتطلب تأهيل الكوادر الوطنية، بما يواكب متطلبات وظائف المستقبل المتعلقة بالتقنية، وهو ما ظلّت تعمل عليه الهيئات والجهات المختصة، في القطاعين العام والخاص، مما يساعد على خدمة الإنسان في المملكة وتسهيل حياته ومعيشته.

وما يعزز من جهود التحوّل المتسارع للاقتصاد الرقمي، بصورةٍ أكثر شموليةٍ، تلك الجهود المكثفة التي تشهدها المملكة في بيئة التقنية المالية، حيث تبذل في هذا الصدد مؤسسة النقد العربي السـعودي «ساما»، جهودًا كبيرة من خلال البيئة التجريبية التشـريعية التي أطلقت عليها (Sandbox)، بالإضافة إلى إطلاقها «فنتك السعودية»، اللتين تعدان أبرز مبادرات تحفيز شركات التقنية المالية بالمملكة.

ونتيجةً لذلك، شهد قطاع شركات التقنية المالية بالمملكة، خلال الفترة الأخيرة إطلاق عدد كبير من المحافـظ الإلكترونية، إضافة لارتفاع أنشطة المعاملات المالية الدولية الإلكترونية وكذلك المحلية، حيث وصلت قيمة معاملات التقنية المالية في المملكة إلى قرابة 75 مليار ريال، وذلك خلال العام الماضي.

فضلاً عن ذلك، ارتفع عدد عمليات خدمة الدفع عبر الإنترنت إلى 20.8 مليون عملية، خلال الربع الأول من العام الجاري، وفقا لأحدث إحصائيات «ساما»، وهذا سيدعم مؤشر سهولة قطاع الأعمال، وتنافسية السوق ويصب في اتجاه دعم موجهات التحول للاقتصاد الرقمي، كأحد مستهدفات رؤية المملكة 2030، بإذن الله.

إنَّ توظيف الاقتصاد الرقمي في مجالات الأعمال كافة، ورفع مستوى شمولية وكفاءة الخدمات المالية، سوف يعملان على تمكين جميع أفراد المجتمع من الاستفادة من الخدمات المتاحة، بكل سهولةٍ ويسرٍ، حيث يساعد التحوّل للاقتصاد الرقمي على خلق وظائف غير تقليدية للشباب، ويعظّم من دور القطاع الخاص، الذي سجل نموًا مقدرًا بنسبة 3.8 في المائة خلال عام 2019. فهذا مجال واعد والدول هيّأت التشريعات والقوانين والبيئة التي تمكِّن من خلق فرص للشباب للعمل والتطوير وتحقيق نجاحات في هذا المجال، بمشيئة الله تعالى.