يصادف يوم 23 من شهر سبتمبر من كل عام ميلادي اليوم الوطني لبلادنا الغالية المملكة العربية السعودية. إن المتابع لمسيرة التنمية لهذه البلاد منذ إنشائها في كل المجالات يلاحظ أنها انطلقت من الصفر في بدايات إنشاء الدولة السعودية الثالثة الحالية، فلم تكن هناك موارد اقتصادية تُذكر لدفع عجلة التنمية، ولم يكن الإنسان في هذه البلاد في ذلك الزمن يقرأ أو يكتب إلا قليل من القوم، وكان المجتمع منقسما على نفسه ويحكمه قانون القبيلة والمتنفذون في بعض أجزائه، ممن يَدَّعُون أنهم ملوك الحجاز أو أمراء جبل شمر وجبل عسير وجازان وغيرها، وهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا فئات مغلوبة على أمرها وأدوات في أيدي الإنجليز والعثمانيين وغيرهم، من الذين جعلوا هذه البلاد مقسمة بين شمال وجنوب وشرق وغرب ووسط، أهلكتها قسوة الصحراء وحرارتها ورمالها المتحركة.

لقد قَيض الله لهذه البلاد رجلا بدوي الفِراسة والطباع وفي النسب سليل ملوك لهم إرث وتاريخ. إنه عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، الذي وفقه الله ليوحد البلاد تحت راية واحدة بدون طائرات ولا مدافع أو دبابات، بل كان جيشه من الهجانة والخيالة ومكَوَّنا من رجال أوفياء مناصرين للدين ومجاهدين تحت قيادة الملك عبدالعزيز، لإعلاء كلمة الله وتوحيد البلاد تحت قيادة وراية واحدة، لا رواتب لهم ولا ميزات، ولكن الله هو الذي قدّر وأراد الخير لبلاد يوجد فوق أرضها الحرمان الشريفان، فأنشأ الملك عبدالعزيز دولته الفتية بالرغم من أن قدراتها في كل المجالات معدومة، وكانت سنين القحط تمر على هذه البلاد عاما بعد عام مُدَمِّرَة للإنسان ومكتسباته والحيوان وأعشابه والزراعة وثمارها. لقد كانت الجبال الصماء والبيد الجرداء وسراب الصحارى والقفار موزعة في ديار الدولة الناشئة، لا تقل وطأة وقسوة على ابن الجزيرة من الفقر والجهل والمرض. لم يكن الشعب في بدايات تكوين المملكة العربية السعودية الحالية يعرف رفاهية أو أمناً أو رخاء، بل كان يصارع ظروف الحياة من أجل البقاء، إلى أن قَيَّض الله لهذه البلاد هذا الزعيم الملهم، البدوي في مظهره وفراسته والداهية في سياسته والعظيم بأفعاله وعطائه ونضاله، يوم كان للنضال والجهاد لذة ومعنى تؤازره القيم والمبادئ التي تحلى بها الملك عبدالعزيز، لتحقيق هدف سام وهو توحيد المملكة السعودية أرضاً وشعباً وحاضراً ومستقبلاً.

كانت أولى خطواته رحمه الله فرض الأمن والاستقرار في هذه البلاد يوم كانت شرائح المجتمع القبلية المشتتة تحارب بعضها البعض، ويعتز ويفتخر ابن الوطن المسلم بقتل أخيه المسلم الآخر... إنه الزمن الدي كان قُطَّاع الطرق (الحنشل) يعترضون طرق الحجاج ويسلبونهم أرواحهم ومؤنهم وعتادهم وركابهم، فجاء الملك عبدالعزيز رحمه الله ليؤمن طرق الحجاج، وانتشل بإرادة الله وعونه وتوفيقه تلك القبائل المتناحرة ونقلها من زمن اللادولة ومستنقع الفقر والجهل والمرض والظلام إلى زمن الدولة المحاربة لهذه الظواهر والأوضاع المحزنة، وليصنع من هذه القبائل شعبا له كيان، مؤثراً في محيط أمته العربية وأمته الإسلامية، وبعد أن فرض الملك عبدالعزيز استتباب الأمن قام بنشر التعليم وأوجد الموارد للتنمية رغم قلتها (قبل البترول)، وحارب الفقر والعوز والمجاعة وأطلق بداية من الصفر قافلة التنمية في كل المجالات لتسير على الطريق الصحيح، ولأن شعبه يفتقر إلى المتعلمين من أصحاب الشهادات فقد أوجد نخبة من المستشارين المتعلمين السعوديين وهم قلة، واستعان بأصحاب الخبرة وبعض المخلصين العرب ليعملوا كمستشارين في إدارة البلاد وخطط التنمية وبناء دعائمها وركائز الأمن والاستقرار، وقد واكب انطلاقة خطط الملك عبد العزيز للتنمية إصْرَارهُ على إنجاز مهمة توحيد مناطق وأقاليم الجزيرة العربية، ليشكل منها المملكة العربية السعودية الحالية، فكان بخطواته تلك قد فرض على المجتمع المحلي والمجتمع الإقليمي والمجتمع الدولي إنشاء دولة عظيمة داخل قارة كبيرة حصلت على اعتراف دول العالم، وأسس رحمه الله بقوة عزيمته دعائم وركائز الخطوات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتعليمية والاجتماعية وغيرها في المملكة العربية السعودية الوليدة، ثم غادر المشهد رحمه الله بوفاته في مدينة الطائف عام (1373)، بعد أن اعتمد لهذه البلاد دستورا يقوم على كتاب الله وسنة رسوله.

بعد وفاة المؤسس استمر أبناؤه الملوك وأولياء عهودهم على نهجه حتى وصلنا إلى هذه الحقبة، التي يقود البلاد فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الحازم محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، أعانهما الله على حمل الرسالة وأداء الأمانة. إن من الصعب أن نحصي كل المنجزات التي تمت خلال الفترة الواقعة بين حكم الملك عبدالعزيز وحكم ابنه الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز؛ لأنها تحتاج إلى مجلدات لحصرها وإبرازها من قبل مختصين ومحللين ومتابعين لتلك الإنجازات، وقد كُتِبَ الكثير عنها وصدرت الدواوين والمجلدات والكتب في داخل المملكة وخارجها، لإبراز بعض عناوين تلك الإنجازات على مستوى الأرض والإنسان والحياة وبكل ما تحمله هذه المسميات من معانٍ.

إن مخرجات جهود وإنجازات الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك من بعده قد زادها الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده، نوراً وضياءً وإشراقاً، حتى صارت اليوم بارزة في كل مجالات التنمية. ففي المجال السياسي نرى بلادنا دولة لها تأثيرها ودورها الإقليمي والدولي الكبير في مجريات الأمور السياسية على المستوى الإقليمي والدولي، وهي التي تقود بالفعل العالمين العربي والإسلامي وتعالج مختلف القضايا السياسية بحكمة واتزان وهدوء، وقد شهد لها العالم بهذه الخصائص والصفات. أما في المجال الاقتصادي فيكفي أن يعرف المتابعون أن المملكة هي أحد أقوى (عشرين دولة (G20) على وجه الأرض، وهذا يكفي للدلالة على قوتها الاقتصادية - وفي الناحية العسكرية، فالسعودية تملك قواتا مسلحة تعتبر من أقوى وأحدث الجيوش على مستوى الشرق الأوسط، وهي تتسلح بأحدث العدة والعتاد والتقنية والتكنولوجيا الحديثة، وقد بدأت بالفعل وفقاً لإستراتيجيتها العسكرية الجديدة التي أقرها القائد الأعلى لكافة القوات المسلحة الملك سلمان بن عبدالعزيز، في إعادة هيكلة وزارة الدفاع لتحقيق أهداف الغاية الوطنية لحماية السيادة الوطنية والحرمين الشريفين والوطن والمواطنين، والمحافظة على استقرار الأمن واستمرار الرخاء.

ومن ضمن بنود الإستراتيجية العسكرية الجديدة إنشاء مصانع الإنتاج العسكري لتؤمن احتياجاتها ومتطلباتها العسكرية والأمنية بعيداً عن الاستغلال والابتزاز من صانعي وموردي السلاح. إن من المنجزات العسكرية السعودية إنشاء التحالف العربي وكذلك التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب. السعودية لديها 7 كليات عسكرية وعدد من المعاهد والمدارس العسكرية يتخرج منها عشرات الآلاف من الضباط وضباط الصف والجنود في كل عام موزعينَ على كافة قطاعات وأفرع القوات المسلحة. أما في المجال التعليمي فبعد أن كان الشعب السعودي في غالبيته شعبا أُمياً لا يقرأ ولا يكتب نجده اليوم في أكثريته ممن يحمل الدرجات والمؤهلات العلمية العليا والجامعية في كل التخصصات، ولم يعد للأمية مكان في بلادنا إلا بنسبة قليلة وأعداد نادرة والنادر لا حكم له. ومن الجدير بالذكر أنه يوجد في المملكة 42 جامعة حكومية وأهلية وخاصة.. إضافة إلى ما يقارب 13 كلية حكومية مستقلة وخاصة وأهلية، بينما بلغ عدد المدارس العامة 26934 مدرسة، في حين أن عدد الطلاب والطالبات بلغ 4918577 طالبا وطالبة، وعدد المعلمين والمعلمات أكثر من 500000 معلم ومعلمة، وفقا لإحصائيات (1441، 2020). وعند التطرق للمجال الصحي، فيكفي أن نقول إن كل مواطن ومقيم في السعودية تقدم له الخدمات الصحية دون مقابل، وقد أنشئت في مدن وبلدات وقرى وهجر المملكة آلاف المستشفيات والمراكز والمستوصفات الطبية ليصل عدد المستشفيات أكثر من 484 مستشفى كبيرا، بسعة (73) ألف سرير، إضافة إلى أعداد المراكز والتجمعات والمستوصفات الصحية لتشكل خدمات صحية رائعة ومتكاملة ومترابطة لكل مواطن ومقيم. أما في المجال الاجتماعي فيرى ويلاحظ المتابعون لأوضاع المجتمع السعودي أن مخرجات خطط التنمية بكل فروعها وما نتج عنها من نجاحات باهرة في مجالات الصحة والتعليم والدخل الفردي، وغيرها من العوامل قد أوجدت مجتمعاً سعودياً حضارياً، انصهرت جميع شرائحه في بوتقة واحدة ملغية، بتلك العناوين القديمة للمجتمع، التي كانت تشدد على التجذر القبلي والمناطقي، والتي أدت إلى الجهل والفقر والمرض فصارت هوية المجتمع هوية سعودية واحدة وقبيلته سعودية واحدة وقبلته واحدة، وشعاره «وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه».

إن على الباحثين عدم إغفال النمو السكاني ومتطلبات ذلك النمو في جميع الحقول. إن عدد السكان بعد توحيد المملكة بثلاثين عاماً يوضحه أول حصر للسكان عام 1382 حيث تبين أن عدد السكان 3.200.000 نسمة، ثم أُجري أول تعداد للسكان عام 1394 وأظهر أن عدد السكان 7.000.000 نسمة، ثم أجرت المملكة تعدادا للسكان عام 1413 وقد أظهر أن عدد السكان نحو (16.930.625) نسمة، ثم أجرت المملكة ثالث تعداد عام 1425 وأظهر أن عدد السكان حوالي 22.678.262 نسمة. ثم تم إجراء رابع تعداد عام 1431 وأظهر أن عدد السكان حوالي (27.136.977)، وفي آخر إحصاء للسكان عام (2020) وصل عدد السكان في السعودية من المواطنين والمقيمين إلى (.37.2) مليون نسمة بنمو مقداره (3.3 %) سنويا.

إن رؤية خطة التنمية التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين ويقودها سمو ولي عهده ستعالج جميع القضايا والظروف الاقتصادية وزيادة السكان، لتكون بلادنا قادرة على زيادة دخل مواردها الاقتصادية، وأن تصنع غذاءها ودواءها وسلاحها بجهود قادتها وأبنائها، وإن تلك المشاريع الطموحة في رؤية خطة التنمية (30 - 20) سوف تنقل السعودية إلى دولة اقتصادية عملاقة يقتدى بها في مشاريع التنمية الناجحة.