جاء التدخل السعودي عبر قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، واستجابة لنداء الشرعية، ضرورة ملحة، ولازمة، وذلك لإيقاف المد الإيراني، ومنع سيطرة حفنة من الانقلابيين على مقدرات بلد مطل على واحد من أهم ممرات العالم الملاحية. ويشير الباحث في الشؤون اليمنية الدكتور كمال القطوي إلى أنه «عندما سقطت مدينة عمران بأيدي ميليشيا الحوثي، قال لي صديق: هذا بركان انحدر من صعدة ولا يعلم إلا الله مداه، ثم ما هي إلا أشهر معدودة حتى رأينا حمم البركان تصل إلى عدن، مخلفة وراءها قتلا وتشريدا وقمعا لكل من عارض الانقلاب الحوثي».

ويضيف «هنا يبرز سؤال، ترى لو لم ترفع الحكومة الشرعية راية مواجهة الانقلاب الحوثي، ويسندها التحالف العربي من خلال عاصفة الحزم، كيف كان للوضع أن يكون؟». ويجيب «بحثت عن أنموذج من نماذج الاجتياح الصفوي المعاصر للإجابة عن السؤال، فلم أجد أوضح من النموذج العراقي، حيث تهيب العرب الاقتراب من الساحة العراقية بفعل تعقيدات الاحتلال، وتركوها شاغرة للتمدد الإيراني، حتى تموضع فيها، واستطاع المشروع الإيراني من بعد 2003، أن يشرد 4 ملايين عراقي من بلادهم، وأن يدفن مئات الآلاف تحت التراب، بفعل تأجيج الفتنة الطائفية التي جعلت من العراق لقمة سائغة أمام الثعلب الإيراني الذي كشف بوابة العرب الشرقية».

ميليشيا متوحشة

يكمل قطوي «كان المآل في اليمن واضحا.. ميليشيا متوحشة، استلمت مقدرات دولة، ثم تمددت لتفجر وتقتل وترهب كل من يقف في طريقها حتى وصلت إلى مدينة عدن في أقصى اليمن. ثم ماذا؟، هيمنة كاملة على مقدرات البلد، واحتكار تام لعناصر القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية بيد «السلالة المقدسة»؟.

لم يأت الحوثي بجديد، ولن يأتي بجديد أصلا، إذ هو متسق مع عقيدته السياسية، التي ترى ملكيته للسلطة بموجب الحق الإلهي، وضرورة أن يتحول الشعب اليمني إلى مجرد عبيد لـ«السلالة المقدسة» (في المنظور الحوثي)، وأن يتعبدوا الله بخدمة هذه السلالة. قد يستبشع القارئ مثل هذه النتائج، ويضعها ضمن أجندة الدعاية المضادة لمشروع الحوثي، وخاصة القراء من خارج اليمن، الذين لم تتح لهم فرصة الاطلاع على وثيقة الحوثي الفكرية، التي نشرها عام 2012، ونصت على أن الحكم حق إلهي في البطنين «أي سلالة الحسن والحسين» التي تنتمي إليها الأقلية الشيعية في اليمن، وأن خروج الحكم من هذه السلالة جناية على الدين والعقيدة!».

تقريرات عقدية

يكمل «قد يقول قائل ممن يعيش في القرن الـ21، إن هذه الوثائق لا تزيد عن أن تكون تقريرات عقدية قديمة ولا أثر لها في واقع الحال، في ظل السياسة المعاصرة، لكن الحوثي ببساطة يعيش القرن الحالي بجسمه في حين أن عقله لا يزال أسيرا لقرون قديمة، حيث كانت العقائد تدبج في الصحائف، ثم يخرج دعاتها لفرضها على الناس بقوة السيف». ويتابع «الوثيقة الفكرية التي نشرها الحوثي قبل انقلابه، تحولت إلى قوانين نافذة، يجري تطبيقها على الأرض، ومن أشهر تلك القوانين، قانون الخمس الذي أقره البرلمان الخاضع لسلطة الحوثي، والذي ينص على أن 20 % من مداخيل اليمنيين حق مشروع لـ«السلالة المقدسة»، وحين اندهش العالم من فرض هكذا قانون، وسألت مذيعة قناة BBC اللندنية رئيس اللجان الشعبية للانقلابيين محمد علي الحوثي، وهي مستغربة مثل بقية سكان القرن الـ21 من فرض قانون يمنح خمس الضرائب لسلالة من دون بقية الشعب!، رد عليها الرجل بكل اندهاش مقابل «إن هذا جزء من دين الله، ومن يرفضه فهو يعترض على القرآن والإسلام»!.

تفكيك الخارطة الفكرية

يؤكد قطوي أنه «لا يمكن لأي متابع أن يفهم ما يجري في اليمن إلا أن يعيد تفكيك الخارطة الفكرية لجماعة الانقلابيين، ويتتبع خطواتهم، ففي حين كانت مناوراتهم العسكرية تستعرض أسلحة إيران في صعدة المحاذية للحدود السعودية، كانت قنواتهم الإعلامية تقدم قائد الميليشيات باعتباره زعيم الجزيرة العربية!، صحيح أنني أدرك أن هذا جزء من هذيان الجماعة المهووسة بالحروب والتمدد، ولكن الهذيان تحول إلى صواريخ تتوجه إلى مدن المملكة. فكيف إذا كان هذا الهذيان مسنودا بدعم إقليمي وتواطؤ دولي، يقدم الحوثي كشرط لضمان التوازن في اليمن، ويغري بتحويل ولاء الحوثي من المدار الإيراني إلى المدار العربي، وكأننا نتحدث عن جهاز التقاط بث فضائي، لا جماعة تستند إلى إيديولوجيا سياسية تستمد من إرث عقدي متغلغل في التشيع، ويمسك الحرس الثوري الإيراني بمفاصل أجهزتها حتى النخاع!».

تعقيدات المشهد

يوضح قطوي أن العاصفة لم تحرز كل أهدافها حتى اللحظة، وأن «تعقيدات المشهد قد ألقت بظلالها على سير المعركة، إلا أن المدخل الحيوي للاقتراب من تحقيق أهداف العاصفة يكمن في استعادة العاصمة التاريخية لليمن صنعاء، فما يحتاجه التحالف اليوم أن يدرك أهمية الرمزية التاريخية والسياسية لصنعاء، فيوم سقطت صنعاء تباهى الإيرانيون بسقوط العاصمة الرابعة في حضنهم، وهو تباه رمزي؛ إذ كان الإيرانيون يدركون أن أمام الحوثي ثلاثة أرباع اليمن لم تسقط بعد، ولكن الرمزية السياسية لصنعاء منحت المقاتل الحوثي دفعة نفسية هائلة، جعلته يشمر عن «معوزه» [لباس تقليدي يمني] ولا يتوقف إلا في عدن. نحتاج اليوم إدراك أن أي اتفاقيات لا تعني خروج السلاح الحوثي من صنعاء، فلن تخلق إلا فرصا قادمة لخلق حالة عدم الاستقرار في المنطقة».

الأيديولوجيات والقطيع

بدوره، يرى الباحث في الشأن اليمني ثابت الأحمدي أن «الأيديولوجيات لا تقوم إلا على إبادة مخالفيها، سواء أكانت الإبادة مادية أم معنوية، أو الاثنين معا، فالأيديولوجيات بطبيعتها صارمة، نافية للآخر، وإن ادعت القبول به. والأيديولوجيا الإمامية بشكل عام من أصلب الأيديولوجيات الدينية، وتمتلك موروثا سياسيا وثقافيا مهولا، وقد لا تكون هذه هي الخطورة هنا، الخطورة الأكثر تكمن في ذلك الكم من القطيع المؤمن بها إيمانا أعمى، على الرغم من كونها فكرة خرافية من أساسها». ويضيف «كلما كانت المعتقدات أكثر رسوخا في النفوس قل التسامح بشأنها وزاد العنف».

ويوضح أن جماعة الحوثي تدعي وتزعم حقا إلهيا موهوما، وهو مدار النظرية ومحور ارتكازها كاملة، وهو ما صرح به مؤسس الدولة الهادوية يحيى حسين الرسي بقوله:

أرى حقنا مسْتودعا عند غيرنا *** ولا بد يوما أن ترد الودائع.

إبادة اليمن

يكمل ثابت «نستنتج من المختصر الذي أوردناه، أنه لو أمسكت جماعة الحوثي زمام القوة، ولو لم يكن التحالف العربي لكان الحوثي قد أباد اليمنيين بسلاح الشعب نفسه، وبجيش الشعب الذي استغله لضرب الناس به، وأجزم أن لو امتلك الحوثي السلاح الكيماوي المدمر لأباد كل معارضٍ له، وكل الشعب له معارض، ولا يهمه من تبقى أساسا على قيد الحياة، الأهم لديه استعادة ما يراه حقا إلهيا له في الحكم، إضافة إلى خدمة النظرية الخمينية الإيرانية، وهي مرجعيته السياسية اليوم». ويضيف «رأينا تلك المجازر البشعة، ورأينا أنواع القمع والتنكيل الذي لحق باليمنيين بما يمتلكه الحوثي من سلاحٍ في المناطق التي يسيطر عليها، ولا يزال إلى اليوم ينكل ويقتل ويشرد، وسيظل كذلك حتى تنكسر شوكته ويندحر بصورة نهائية».

ويوضح «إن الأطماع التي تدور في رأس الحوثي لا تقتصر على اليمن فحسب؛ بل على المقدسات الإسلامية «مكة والمدينة» كبعدٍ إستراتيجي إيراني، شيعي، تلتقي فيه العمائم السود من العراق مع شاب اليمن وفقا لبرامجهم التي يبشرون بها الشباب، في كتاب «عصر الظهور» للكوراني». لهذه الأسباب، كان التحالف العربي، وكانت عاصفة الحزم، طلبا شرعيا من الدولة اليمنية في عام 2015، حفاظا على الدم العربي اليمني من الكيان الإمامي البغيض، أتباع الخمينية الإيرانية.

100 ألف ضحية

يشير قطوي إلى أنه «إذا كان ضحايا الانقلاب الحوثي قد بلغوا حوالي 100 ألف قتيل حتى أكتوبر 2019، بحسب تقرير مشروع ACLED الذي يحظى بتمويل وزارتي الخارجية الأمريكية والهولندية، من بينهم 14,222 مدنيا قتلتهم الميليشيات وفق تقرير مرصد الأورومتوسطي.

وإذا كان الحوثي يختطف 14 ألف يمني، ويسومهم سوء العذاب في الزنازين، لأنهم عارضوا انقلابه، ويفرض الخمس على أموال الناس، ويجرف الهوية اليمنية من خلال استهداف المساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، حيث رصد تقرير أعده مركز المنبر اليمني للدراسات أن جماعة الحوثي استهدفت (423) مسجدا ومدرسة تحفيظ قرآن، ناهيك عن تغيير المناهج الدراسية، واستبدالها بمضمون طائفي يجعل من السلالة الشيعية شعب الله المختار، حتى تخضع لها الأجيال القادمة».

«كما رأى المتابعون كيف التهم الحوثي المؤسسة العسكرية خلال سنوات، من خلال إعادة هيكلتها لتكون مؤسسة طائفية بامتياز، عبر احتكار المناصب والمواقع الحساسة والقيادية في سلالته، إذ تم تعيين (375) قائداعسكريا في مختلف مفاصل التحكم والسيطرة بالمؤسسة العسكرية.

وكذلك فعل في المؤسسات المدنية للحكومة، ما حدا بالناشطين اليمنيين أن يطلقوا وصف «حوثنة الدولة». إذا كان هذا التجريف الحوثي لليمن، وهو لا يزال يواجه مقاومة شرسة فيكف لو خلا له الجو، وصار هو الوحيد في الساحة؟!

عندها سنكون أمام يمن لا علاقة له بمحيطه العربي، بل سيتحول إلى منصة لتفكيك جزيرة العرب كما يحلم دهاقنة فارس».

20 % من مداخيل اليمن حق مشروع للحوثي

100 ألف قتيل ضحايا الانقلاب حتى أكتوبر 2019

14222مدنيا قتلتهم الميليشيات

14 ألف يمني مخطوف

423 مسجدا ومدرسة تحفيظ قرآن فجرت أو أغلقت

375 قائدا عسكريا تم تمكينهم من مفاصل التحكم والسيطرة بالمؤسسة العسكرية

ممارسات حوثية في اليمن

القتل والترهيب

الهيمنة على مقدرات اليمن

الاحتكار التام لعناصر القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية

تدمير البنى المناوئة للمشروع الحوثي الإمامي في اليمن

محاولة امتلاك السلطة بما تراه وتروج له على أنه «حق إلهي»