متى ما أرادت الدول والمجتمعات القوة والنهوض، فليس أمامها إلا التعليم حلا، ومتى ما كان التعليم قادرا على فهم المتطلبات ولديه القدرة على المنافسة سينمو المجتمع ويتطور حينا بعد حين.

رأينا كيف استطاعت الصين أن تكون قوة عظمى من خلال إعادة تشكيل تعليمها، وكيف تجاوزت اليابان وألمانيا خيباتهما بعد الحرب العالمية بالاهتمام بالتعليم، وتخطي الهزيمة لانتصار قوة ناعمة لا غنى للعالم عنها.

رأينا كيف تجاوزت الهند فقرها، واستطاعت أن تصنع المعجزات من خلال مواردها البشرية الذين فازوا بأعلى المناصب في الشركات، بل أصبحت أودية التقنية تجري من خلالهم، ورأينا كيف أن فنلندا وسنغافورة أصبحتا قبلتي العالم تعليميا، وأصبحت الخطط التعليمية تنهج نهجهما وتستفيد من تجربتهما.

في بلادنا منذ أن وحدها المؤسس والتعليم القضية الأولى والرقم الصعب في الخطط والميزانيات جيلا بعد جيل..التطور الذي يشهده تعليمنا نفرح ونفاخر به، حتى وإن كانت لدينا ملاحظات عليه، لكننا على الطريق الصحيح، وعاما بعد عام نشعر كم نحن محظوظون بقيادات تعليمية تقرأ الحاضر وترسم للمستقبل جيدا.

جائحة كورونا أربكت العالم أجمع على كل الأصعدة، كانت التحدي الصعب، ولكننا رأينا كيف أن وزارة التعليم وبعد يوم واحد من تعليق الدراسة العام الماضي، شرعت في تنفيذ خطة التعليم عن بعد، واستطاعت تسيير العام الدراسي الماضي وفق ما تقتضيه المصلحة والمسؤولية لطلابنا في مراحلهم الدراسية.

ومع العام الدراسي الجديد أصبح لديها مساحة أكبر من الوقت والخبرة لتصنع بيئة جاذبة للتعليم عن بعد، قادرة على المنافسة وتعويض الطالب ما كان يجده في مدرسته، بل إن الطالب وجد في مدرسته الافتراضية تجربة جديدة مرنة، كسرت الروتين والملل الذي كان يشعر به الطلبة ويتسلل إلى تفاصيل يومهم الدراسي.

منصة مدرستي التي من خلالها تقدم وزارة التعليم مهامها التعليمية، استطاعت أن تفرض نفسها واقعا جميلا في تعليمنا، يسمح بالتعددية والتشاركية ويسمح بالتجديد المتسارع وكسر القوالب المعتادة لإضفاء المرونة على المنهج التعليمي، من خلالها رأينا كيف تنافس المعلمون والمعلمات في تقديم الأفضل لأولادنا، ولامسنا كيف هي فرصة لنا كأولياء أمور أن نجد المكان والزمان الكافيين لنطمئن على جهود المعلمين وحرصهم وتفانيهم في أداء مهماتهم التعليمية.

منصة مدرستي منحت الفرصة للجميع ليثبت نفسه ويقدم خبراته وتميزه من خلال أدوات احترافية جاذبة، ورأينا كيف تعلقت قلوب وعقول الطلبة والطالبات بمعلمين ومعلمات لأول مرة يرونهم، وما كانوا ليتعرفوا عليهم لولا منصة مدرستي.

ورأينا كيف أن بعض المعلمين والمعلمات تجاوزوا مرضهم وأسرتهم البيضاء ليتواصلوا مع طلبتهم ويتحملوا كل شيء وهم في مكانهم، وهذا ما يميز التعليم الإلكتروني وتفاعلاته عن بعد.

رأينا كيف أن معلمة تدرس طلابا، ومعلما يدرس طالبات عن بعد، دون تواصل مباشر ولكنها التقنية التي تتجاوز كل شيء وتنتصر للنجاح والتفوق مع من كان.

التحدي الآن، كيف نقنع المجتمع بكل أفراده ومؤسساته أن يستمر التعليم عن بعد جنبا إلى جنب مع التعليم داخل المدرسة؟.

التعليم عن بعد سيقلل من الهدر التعليمي، وسيسمح بمنتجات تعليمية متطورة، وسيسمح باستقلالية فكرية وإبداعية لا ترتبط بأطر تقليدية ولا تعاميم عفى عليها الزمن.. وسيسمح بمناهج دراسية جديدة تواكب متطلبات العصر وتساعد الطالب على المتغيرات حواليه، وتعده جيدا للمرحلة القادمة في حياته.

في لقائنا ككتاب وقادة رأي بوزير التعليم وفريقه المبدع في مقر منصة مدرستي الأسبوع الماضي، لمست حرصه على أن يضعنا في الصورة ويخبرنا بأننا شركاء معه في رسم صورة حقيقية وواضحة عن المنصة وتجربة الوزارة من خلالها والاستفادة من الملاحظات الإيجابية. وكانت فرصة لنا أن نرى المطبخ الحقيقي للمنصة ونسعد باللقاء مع أبطال التعليم، وسعدت أيما سعادة عندما علمت أن إدارة التعليم الإلكتروني بالوزارة تشرف عليها امرأة، ليس تعصبا لبنات جنسي ولكن هو الفرح أننا كنساء وجدنا من يقدرنا ويؤمن بنا وبقدراتنا في صناعة منجز حضاري وإدارة مكوناته بكل اقتدار، وهذا شيء نشهد به لوزير التعليم أن مكن المرأة في وزارته ومنحها مناصب عليا جنبا إلى جنب مع زميلها الرجل لتحقيق الأهداف والغايات المنشودة لتعليمنا، وفق ما دعت إليه وأسسته رؤية 2030 التي أولت التعليم والتدريب جل اهتمامها.

ما يهمنا الآن أن نوثق تجربتنا في التعليم عن بعد، ونشرع في الدراسات العلمية اللازمة للاطمئنان على سير العملية والعمل على تطويرها لتكون منارة التجارب العالمية في التعليم.

من خلال منصة مدرستي سندرس العالم كيف أن التعليم أرحب وأوسع من خلف شاشة يعمل عليها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه لخدمة أوطانهم ومجتمعاتهم.