إذا كان من يعادينا ويعادي آباءنا وقومنا ووطننا فإنه عدو لنا، فإن من يعادي ربنا وخالقنا ويصفه بالنقائص فهو عدو لنا من باب أولى، فالذين يعادون الله ويقولون: يد الله مغلولة، ويقولون: إن الله ثالث ثلاثة، ويقولون: المسيح ابن الله.. إلى آخر أقوالهم ومعتقداتهم الشنيعة لا شك أنهم كفار، نتبرأ إلى الله منهم ومن معتقداتهم الفاسدة، لقد قالوا قولا تكاد السموات أن تتفطر منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدا، بدليل قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدا). فنبرأ إلى الله ممن اعتقد هذه العقائد الفاسدة، ونبغضه في الله.

وقد أخبرنا الله في كتابه أن لنا قدوة حسنة في إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام والذين معه في براءتهم من الكفار ومعبوداتهم قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُون اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه).

وقد أخبرنا الله أنه عدو للكافرين فقال تعالى: (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِين) أيصح أن يُقال: إن الله عدو للكافرين، وأما نحن فعلى الحياد لا نعادي من عادى الله ؟!

هذا غير صحيح إطلاقاً، والصواب: أننا أعداء لمن يعادي ربنا، كما نحن أعداء لمن يعادي أهلنا، بل عداوتنا لمن يعادي ربنا أشد.

والواقع أن كثيراً من الناس في هذه المسألة طرفان ووسط.

فطائفة: أهل غلو وعدم فهم لكتاب الله، حملهم بغض الكفار على ظلمهم، وسوء التعامل معهم، والاعتداء عليهم بغير حق.

وطائفة أخرى: صار لديهم ردة فعل من الطائفة الأولى، فأصبحوا على النقيض، فأحبوا الكفار، وادعوا أن اليهود والنصارى إخوة لنا في الدين، وأن دياناتهم التي يعتقدونها الآن صحيحة، وأنه لا تصح كراهيتهم.

وكلتا الطائفتين على خطأ، ذلك أن كراهية الكفار لا تقتضي الظلم والاعتداء بغير حق، ولا تقتضي عدم التعامل معهم بالتي هي أحسن قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين)، وقال تعالى: (وقولوا للناس حسناً) والناس: تشمل المسلم والكافر، وقال تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا)، والنبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع الكفار بالتي هي أحسن، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي بشعير اشتراه لأهله.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة).

كما أن التعامل بالتي هي أحسن وعدم الاعتداء بغير حق، لا يقتضي أخوتهم ومحبتهم في الدين، ولا تصويب دينهم ومعتقداتهم، قال تعالى (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ... الآية)، وقال تعالى (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم)، وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ).

ثم إنهم ليسوا إخوة لنا في الدين، فنحن مسلمون وهم كفار، قال تعالى (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين) أما إذا لم يتوبوا من كفرهم فليسوا إخوة لنا في الدين، وكيف يكون من يصف الله بالنقائص، ولا يؤمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أخاً لنا في الدين ؟!

فالأخوة نوعان:

الأول: أخوة نسب، ومنه قوله تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودا) وقوله: (وإلى ثمود أخاهم صالحاً) لكونه منهم في النسب وليس في الدين، ولهذا لما ذكر الله أصحاب الأيكة، قال (إذ قال لهم شعيب) ولم يقل أخوهم شعيب، لأنه ليس منهم في الدين ولا النسب، بينما قال عن مدين (وإلى مدين أخاهم شعيبا) لأنه منهم في النسب، أما أصحاب الأيكة فقوم آخرون.

الثاني: أخوة دين، وهذه خاصة بالمسلمين المؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وليس هناك مايُسمى: الأخوة الإنسانية، قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: (وليس بين الناس أخوة إنسانية، لكن بينهم جنسية إنسانية، يعني أن الكافر من جنس المسلم في الإنسانية، لكن ليس أخاه، ألم تروا إلى نوح قال (رب إن ابني من أهلي) فقال الله (إنه ليس من أهلك) ومن زعم أن هناك أخوة إنسانية بين البشر فقد أبعد النجعة، لأن الأخوة إما دينية، كما في قوله (فإخوانكم في الدين) ومثلها الأخوة الإيمانية كما في قوله (إنما المؤمنون إخوة)، وإما إخوة في النسب كما في قوله تعالى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين).

وقول الله تعالى (وإلى مدين أخاهم شعيباً) هذه أخوة نسب، وأما قوله (كذب أصحاب الأيكة المرسلين * إذ قال لهم شعيب) ولم يقل: أخوهم شعيب، لأن أصحاب الأيكة غير أصحاب مدين، بل هم قوم آخرون، فشعيب ليس منهم، ولهذا لم يقل: أخوهم شعيب). انتهى كلام شيخنا ابن عثيمين.

فإن قيل: وما تقول في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى.. الآية) فالجواب: معناها ظاهر وأن الناس مسلمهم وكافرهم بينهم جنسية إنسانية، فالكافر من جنس المسلم في الإنسانية، لكن ليس أخاه، كما وضح ذلك شيخنا ابن عثيمين رحمه الله.

وحتى لو كان أخاً في الإنسانية، فكفره بالله ورسوله لا يجعل لهذه الأخوة الإنسانية أو النسبية أي قيمة.

وعليه يتضح القول الوسط الذي عليه معتقد أهل السنة والجماعة، أن الولاء إنما يكون لأهل الإسلام، والبراء يكون للكفار أعداء الله ورسوله، وأن كراهية الكفار لا تعني ظلمهم أو الاعتداء بغير حق، كما تقدم بيانه في الأدلة الشرعية أعلاه، والأدلة الشرعية يجب العمل بها كلها، وجمعها في المسألة الواحدة، فإن كلام الله حق، ولا يمكن أن يتعارض أو يتناقض، قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).