في الوقت الذي بدأت فيه شمس تنظيمي داعش والقاعدة بالأفول في الشرق الأوسط، وبدأ طرح الأسئلة عن مصيرهما، وإلى أين يمكن أن تكون وجهتهما بعد الضربات المؤثرة التي تعرضا لها، كانت أذرعهما وفروعهما وامتداداتهما تنشط في أماكن أخرى، وعلى الأخص في أفريقيا، مستفيدة من هشاشة بعض الدول الأفريقية، وعجز الحكومات عن النهوض بواجباتها الأساسية، وتفشي مشاعر التهميش والحرمان.

وغالباً ما أظهرت المجموعات الإرهابية رغبات جارفة في الاستيلاء على السلطة والسيطرة المناطقية وانتزاع الاعتراف، لكنها في الغالب قوبلت بمقاربات عسكرية استندت إلى شراكات إقليمية أو دولية، دون عمل كبير على مستوى زيادة شرعية الدولة عبر سيطرة هذه الدولة على أراضيها، ونجاحها في كسب تأييد الجماهير بما فيها تلك المستاءة من أدائها.

ولعل أنشط الجماعات المسلحة في أفريقيا حتى الوقت الحالي هي جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا، وحركة «الشباب» التي بسطت هيمنتها على ولاية «كابو دلغادو» في موزمبيق.


حرب على الإرهاب

منذ تأسيسها، ناهضت حركة «بوكو حرام» التي حاولت اكتساء طابع سياسي، التعليم الغربي ووضعته في خانة العدو الأيديولوجي حتى إن اسمها مستمد من ذاك العداء (منع التعليم الغربي ـ بوكو حرام).

وشهدت الحركة تحولاً جذرياً من الطابع السياسي إلى حركة جهادية عام 2009، عقب مقتل مؤسسها محمد يوسف، ودأبت على حشد الأنصار عبر المناداة بفرض الشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا بالضد من دستور 1999، ودمجت بين التعبئة والتجنيد وشن الهجمات العنفية، لكنها قوبلت باستراتيجية عسكرية، وتعزيز أمني، حيث نسقت نيجيريا بشكل شبه إقليمي «قوة المهمات المشتركة المتعددة الجنسيّات» بدعم فرنسي أمريكي.

من جانبها، ومنذ 2014 بدأت جذور حركة «الشباب» الناشطة في موزمبيق بالتشكل نتيجة نشاط وتأثر مجموعة من الشباب بمشايخ في تنزانيا وكينيا، وبدأت أول هجماتها الإرهابية عام 2017.

تنافس مع الشرعية

تتنافس حركتا «بوكو حرام» و»الشباب» مع سلطات الدولة في السيطرة على المناطق في نيجيريا وموزمبيق، وتتبع كلتاهما مبدأ الإكراه لفرض سلطتهما.

عانت نيجيريا من سلسلة انقلابات عسكرية وانقلابات مضادة، وحرب أهلية، وفي عام 1999 أرسى دستور جديد جاء في نهاية الحكم العسكري فيدرالية لا مركزية، وسُبق هذا الدستور بمقاومة فاعلة لفكرة الديمقراطية العلمانية، وذلك من قبل حركات إسلامية محافظة نظّمت سلسلة ثورات في مناطق الشمال شملت «كانو» و»كادونا» و»يولا»، واستمرت من 1980 حتى 1985.

بعد 10 سنوات من إطلاق الدستور اندلعت أعمال تمرد وشغب في ولايات «بوشي» و»كانو» و»يوبه» و»بورنو»، ونظمت من قبل حركة شبابية. وفي 2003، أصبح الشاب محمد يوسف قائدا لمجموعة تُسمّى «بوكو حرام».

في 1999 تبنت 12 ولاية في شمال نيجيريا قوانين الشريعة، وفي هذه الأجواء طالب محمد يوسف بفرض نظام الشريعة القانوني بصرامة، وبتطبيقه في كل ارجاء البلاد، ونُظِرَ إلى التعليم الغربي بوصفه شيطانياً وسبباً للفساد الأخلاقي وانتشار الفقر.

وتفشت الصدامات بين «بوكو حرام» وقوات الأمن في يوليو 2009، وأسفرت عن مقتل 700 شخص أغلبهم من «بوكو حرام»، واعتقل محمد يوسف، وقُتل أثناء احتجازه لدى الشرطة.

التحول للجهاد

شكل مقتل محمد يوسف نقطة تحوّل بالنسبة لـ»بوكو حرام» التي تحولت من فئة محلية إلى مجموعة إرهابية تعمل على مستوى بلدان عدة، وزادت هجماتها ضد أهداف حكومية ومدنية، منها أقسام شرطة ومدارس وكنائس، ثم مقرات للأمم المتحدة في العاصمة أبوجا، واعتمدت الهجمات بأدوات متفجرة والخطف، والتجنيد مقابل حوافز مالية والاستفادة من علاقات القرابة، والمرارة حيال المسيحيين، والمشاعر المعادية للغرب.

على غرار «بوكو حرام»، جاءت حركة «الشباب» في الصومال كنتيجة من هشاشة الدولة، وتفتت روابط الهوية، فبعد سقوط نظام سياد بري 1991 صار الجميع يحارب الجميع، وتفشى العنف والمجاعة وانعدام اليقين، وتعالت الانتماءات العشائرية.

وفي خضم الفوضى والعنف، بدأت محاكم الشريعة في إرساء درجة من النظام والعدالة في «مقديشو» وتأسّست المحكمة الأولى للشريعة في 1994 بمباركة من عشيرة «آبغال» ثم اندمجت تلك المحاكم المختلفة، وحل بديلًا منها «اتحاد المحاكم الإسلامية» الذي أضحى السلطة السياسية الأكفأ في الصومال بين 2000 و2007.

وفي 2007 هُزم اتحاد المحاكم الإسلامية على يد القوات الحكومية التي ساندتها قوات إثيوبية، فعادت الفوضى والعنف، لتتبنى حركة «الشباب» أجندة الجهاد الدفاعي، مع استراتيجيات قوة ناعمة وعنيفة في التجنيد، تشمل الخوف وحوافز مالية ومشاعر مُعادية للإثيوبيين.

في 2012، صارت «الشباب» مجموعة إرهابية عابرة للأوطان، عقب إعلان ولائها رسمياً لتنظيم «القاعدة»، والتزامها بنشر الجهاد في شرق أفريقيا، وتميزت بالمرونة في الأهداف وآليات التمويل، وفرضت نظام ضرائب في مناطق سيطرتها.

ولاءات متغيرة

حملت بوكو حرام تسمية «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، لكنها غيرت اسمها بعد مبايعتها (داعش) في مارس 2015 إلى ولاية غرب أفريقيا المعروفة باسم «بوكو حرام».

في المقابل، تبدو جماعة «أنصار السنة» في موزمبيق، والتي تسمي نفسها «الشباب» جزءاً من حملة عنف عالميّة لداعش، خصوصاً أن هجماتها في قرى «كيسانغا» و»موكيمبوا» و»مويدومبي» في مقاطعة «كابو دلغادو»، تبناها داعش، وشوهد بعض المهاجمين فيها رافعين رايات داعش السوداء.

تشكلت الحركة أساساً من شباب عمدوا إلى تحدي الأئمة المحليين عبر الدعوة إلى تبني نهج إسلامي أكثر تشدداً، ودعت إلى التوقف عن دفع الضرائب للحكومة، ومنع دراسة الأطفال في المدارس الحكومية، جاء كل ذلك على خلفية معاناة المجتمعات المسلمة في موزمبيق من التمييز، فكانت مقاطعة «كابو دلغادو»، وهي المقاطعة الوحيدة التي تقطنها غالبية من المسلمين تمتلك أسوأ مؤشرات التنمية في موزمبيق.

وعلى غرار «بوكو حرام»، قدمت «أنصار السُنّة» نفسها بديلًا عن الفساد والدولة الهشّة، وضمت عناصر من أوغندا والصومال وتنزانيا والكونغو، يصل عددهم إلى قرابة 300 شخص، وركزت في تجنيدهم على العنف والإكراه مع هبات من المال أو الوظائف أو فرص للتدرّب في الخارج.

هجمات وتهديد

نفّذت «أنصار السُنّة» هجماتها الأولى في 5 أكتوبر 2017، ضد مراكز للشرطة ومبانٍ حكومية، ومنذ ذلك الوقت نفذت 300 هجوم قُتِل فيها أكثر من 500 شخص، وشملت الهجمات إحراق منازل وقطع رؤوس مدنيين.

صمتت الحكومة الفيدرالية صمتاً ثقيلاً عن الهجمات، وربما خشيت لو ردت من نفور المستثمرين في تلك المقاطعة الغنية بالنفط والغاز، لكن الصمت انتهى أخيراً مع اكتساب الحركة مساحات جديدة من الأراضي، وطلب الرئيس نايوسي دعماً دولياً، وفي 2018، أقرت «الهيئة العامة الموزمبيقية» ما عرف باسم «النظام القانوني الجديد لقمع الإرهاب والقتال ضده»، ووقعت البلاد معاهدة مع تنزانيا للتعاون في مكافحة الجريمة العابرة للحدود، وكثفت العسكرة.

وتشكل الصلة المرجحة بين «أنصار السُّنّة» وداعش تهديداً لمسار الأمن في منطقة ما تحت الصحراء الأفريقية الكبرى.

دخلت كل من «بوكو حرام» و»الشباب» و»أنصار السنّة» منافسة مباشرة على السلطة مع الدولة، وتتحدد قوة هذه المجموعات بقدرتها على الاستفادة من الفراغ في السلطة والشرعية التي تمنحها إياها المساحات الفارغة والحدود المهلهلة.

وحيث تنتشر الدول الضعيفة وتتارجع مؤشراتها تنتعش الجماعات الإرهابية، ففي مؤشر الأسوء على مستوى الشرعية السياسية والمساواة الاقتصاديّة والخدمات العامة تحتل نيجيريا المرتبة الـ14 بين 178 بلداً يشملها المؤشر، وقد احتلت الصومال المرتبة الثانية بين 178 بلداً.

وتأثّرت المناطق التي تنشط فيها هذه المجموعات الإرهابية بالفقر، وسوء التعليم، وعدم المساواة، ففي 2010، بلغ معدل القدرة على القراءة والكتابة بين البالغين في ولاية لاجوس الثرية جنوب نيجيريا، (92 %)، فيما تدنى إلى (14.5 %) في «بورنو» في شمال نيجيريا.

وفي موزمبيق، وبين عامي 1997 و2009، تقلص الفقر بما لم يزد على (0.26%)، وكذلك الأمر في الصومال، وثمة نقص مزمن في البنية التحتية الأساسية، بداية من الطرق ووصولًا إلى الصرف الصحي ومنشآت الرعاية الصحية، وهناك ارتفاع بمعدلات الفساد وسوء استخدام الموارد العامة، وتفشي التجارة غير المشروعة.

ولا تكتفي حركات «بوكو حرام» و»الشباب» و»أنصار السنّة» بإدانة فشل الحكومة، بل تقدم مشروعاً سياسياً بديلاً، وتسعى إلى ممارسة سلطة فاعلة في مناطق واسعة.

استكشاف الفراغات

تعمل المجموعات الإرهابية على استكشاف الفراغات التي تخلّفها هشاشة الدولة وانعدام كفاءتها، وهي تلجأ في سياق سعيها إلى نيل الاعتراف والسلطة والسيطرة المناطقية، إلى إجراءات القوة والقوة الناعمة.

وفي تلك السياقات، تؤدي أعمال الإرهاب إلى تفاقم انعدام الأمن، وإنهاك شرعية الدولة وزيادة كلفة ممارسة الحكم عبر تزايد اللجوء إلى الإكراه والمراقبة.

وتعتمد أفريقيا على الردود العسكرية للتعمل مغ الإرهاب، وعلى المقاربات الإقليمية والدولية، وزيادة الحضور العسكري لواشنطن في القارة خلال العقد الأخير، مركزة على المنع والردع والتحييد، مع نهوض القوات الأمنية بدور حيوي، والنظر إلى التخلص من قادة الإرهاب بوصفه هدفاً حاسماً، لكن هذه الحلول لا تخلو من المخاطر فقد تؤدي إلى مزيد من تآكل شرعية الدولة، وتنقل بعض المناطق إلى مساحات للقوة العشوائية.

حركة الشباب

ـ حركة إسلام سياسي قتالية صومالية تنشط في الصومال

ـ تتبع فكرياً تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أيمن الظواهري

ـ تأسست أوائل 2004 وكانت الذراع العسكرية لاتحاد المحاكم الإسلامية

ـ انشقت عن المحاكم بعد انضمامها إلى ما يعرف بـ"تحالف المعارضة الصومالية"


ممارسات حركة الشباب

- مهاجمة قوات الأمن

- مهاجمة القواعد البحرية الأمريكية

- مهاجمة مجمعات الأجانب

- التضييق على المواطنين بمنع الموسيقى في حفلات الزفاف

- إغلاق المقاهي ودور السينما

- منع مشاهدة الأفلام السينمائية

- منع النغمات الموسيقية في الهواتف المحمولة

- منع لعب مباريات كرة القدم أو مشاهدتها

بوكو حرام

ـ جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد

ـ بايعت داعش في مارس 2015 وغيرت اسمها إلى بوكو حرام

اسم بوكو حرام يتألف من كلمتين:


الأولى: بوكو وتعني باللغة الهوسية "دجل" أو "ضلال"، والمقصود بها "التعليم الغربي"

الثانية: حرام وهي كلمة عربية، فبوكو حرام تعني "منع التعليم الغربي"

ـ قائدها أبو مصعب البرناوي

ـ تأسست في يناير 2002 على يد محمد يوسف

ـ في 24 أغسطس 2014 أعلنت الخلافة في مدينة غووزا شمال نيجيريا


أنصار السنة

ـ تعرف كذلك باسم أنصار الشريعة

ـ جماعة مقاتلة إسلامية ناشطة في مقاطعة كابو دلغادو، موزمبيق

ـ سعت لإنشاء دولة إسلامية في المنطقة

ـ تأسست عام 2015 على أيدي أتباع رجل الكيني الراديكالي، عبود روغو محمد

ـ أصبحت عنيفة بصورة متزايدة في عام 2017

ـ ترسل مجندين إلى تنزانيا وكينيا والصومال من أجل التدريب العسكري والأيديولوجي