تقول جواهر «قضيت سنوات في البحث عن سُبل تأخذني نحو التعافي.. سنوات بدأت منذ كنت في السادسة عشرة من عمري، حين تعرضت إلى محاولة تحرش جنسي».
وتضيف «خشيت من نظرة المجتمع الذي قد يُلقي اللوم عليّ، وقررت أن أخفي ما حصل، وقادني الأمر الى الإصابة بالاكتئاب الذي أوقعني في قاع مُظلم، فلأول مرة أرسب في دراستي، وكان ذلك في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، وتأثرت صحتي الجسدية وخسرت 15 كيلوجراما من وزني، ولم أجد ـ وللأسف الشديد ـ دعما من أي شخص حولي للأسف».
وتابعت «زرت أكثر من عيادة نفسية، وخلال رحلتي للبحث عما ينقذني تناولت أكثر من 15 دواء مختلفا، ما بين مثبطات، ومنومات، ولم تعد علي بأي فائدة، بل ساءت حالتي النفسية، ولم يفدني الأطباء النفسيون الذين لجأت إليهم، وقد قال لي أحدهم بأن هذا عقاب من الله، كوني محجبة».
وتكمل «حصلت بيني وبين عائلتي مشادة كلامية ما جعلني أقدم على محاولة الانتحار بتناول أكثر من 100 حبة من أدويتي، ولكن فشلت محاولتي ووجدت نفسي فاقدة الذاكرة حتى الآن لتفاصيل انتحاري، بعدها سافرت إلى مدينة أخرى وقمت بتغيير تخصصي الدراسي بالجامعة، وتوظفت وقلّت نوبات اكتئابي بنسبة 90 %، وبذلت جهدي في تقديم المساعدة والدعم للآخرين، حتى أنني أنقدت شخصا من محاولة الانتحار، وقد ألهمتني معاناتي بقوة لصنع واقع مُختلف، والآن أستطيع أن أقول إنني تخلصت من الأفكار الانتحارية بنسبة 60 %، وفي حقيقة الأمر لا زلت أشعر برغبتي في زيارة طبيب نفسي، ولكن تجاربي السابقة مع بعض الأطباء تمنعني من تكرار الأمر».
بدورها، تروي الناجية م.ص حطاية محاولتها ونجاتها من الانتحار، وتقول «تعرضت لضغوط نفسية ومشاكل عائلية بعد وفاة والدي دفعتني لمحاولة الانتحار، كنت في الـ18 من عمري، وبعدما استيقظت في المستشفى من فشل محاولتي أدركت المعنى الجميل للحياة، وكأنني تركت خلفي حياة كنت أنظر إليها بنظرة ظالمة تُشعرني بأنني وحيدة تماماً.
وتكمل: تلقيت دعما نفسيا من عائلتي، ومن أشخاص كُثر حولي ما جعلني أتجاوز تلك المرحلة، وأعود بصحة نفسية أفضل.
معدلات
كشف تقرير لمنظمة الصحة العالمية (WHO) أن معدل الانتحار عالمياً وصل إلى 10.5 حالات لكل 100 ألف مواطن.
وبهذا المعدل، فاق عدد المنتحرين في العالم (بلغ أكثر من 800 ألف شخص سنويا)، عدد نظرائهم الذين قتلوا في الحروب وعمليات القتل أو سرطان الثدي.
وتؤكد تقارير المنظمة العالمية أن أكثر من نصف المنتحرين عالميا أدنى من سن الـ45، وأن طرق الانتحار تتعدد، لكن أكثرها شيوعا هي الشنق وإطلاق النار وتناول المبيدات السامة.
الدعم السري
تجمع الفتاتان على الحاجة الماسة إلى الدعم النفسي على الأخص من قبل العائلة، وتقول م. ص «يحتاج الشخص الذي تراوده أفكار انتحارية إلى الاهتمام والدعم.. أحياناً كل ما يرغبه هو أن يرى مدى أهمية وأثر وجوده في الحياة».
وتتفق الفتاتان على أن للأسرة قدرة كبيرة على مساعدة أفرادها لتجاوز كثير من معاناتهم النفسية، وحملها على محمل التعاطف، وتقول جواهر «كل ما كنت أحتاج إليه قبل قيامي بمحاولة الانتحار هو أن أشعر أنني مرئية في هذا العالم، وهذا ما يؤكد أهمية مراعاة ما يشعر به المؤهلون للانتحار من ألم نفسي، وللاهتمام بهم، وتقديم الدعم المعنوي لهم، وقيام الأسرة بدورها الكامل تجاههم».
منتحر كل 40 ثانية
لا تحتل الحروب ولا الكوارث الطبيعية صدارة الأسباب الرئيسة للوفيات في العالم كما قد يتصور البعض، خصوصاً في زمن بلغت الأزمات فيه الذروة، وبات سماع أخبار الزلازل والانهيارات والعواصف والحرائق أمرا شبه يومي، بل المدهش أن الصدارة -على الأخص فيما يتعلق بالأعمار بين 15 و29 عاما- ذهبت للحوادث المرورية، ثم الانتحار.
والمدهش أن تقريراً لمنظمة الصحة العالمية صدر عام 2016، أشار إلى أن شخصا واحدا في العالم ينتحر كل 40 ثانية، وهو معدل خطير جدا، ومن هنا تبدو المطالبة التي ظهرت على «تويتر» بتوفير خط سعودي للوقاية من الانتحار محقة، على الرغم من أن المملكة ليست من الدول التي يتفشى فيها هذا الأمر لاعتبارات كثيرة، في مقدمتها الاعتبارات الدينية.
وكان حساب يسمى «أنت مهم» قد استثمر مناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار (10 سبتمبر من كل عام) وهو الذي تنظمه الرابطة الدولية لمنع الانتحار بمشاركة منظمة الصحة العالمية بهدف التوعية بإمكانية الحد من الانتحار، قد أطلق المطالبة، معلناً عن عريضة لجمع الأصوات المؤيدة لتأكيد أهمية وجود خط هاتفي مباشر في المملكة، يمكن من خلاله مُساندة كل من تراوده الأفكار الانتحارية.
الذكور الأكثر انتحارا
تشير التقارير الرسمية التي تصدرها المنظمات المعنية، وعلى الأخص منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الذكور بين المنتحرين تفوق نسبة الإناث في أغلب الدول، وهو ما يفسره استشاري الطب النفسي المساعد، رئيس قسم الإدمان بمستشفى الصحة النفسية بأبها الدكتور سعد بن مجري القحطاني لـ«الوطن» بقوله «النساء يملن إلى التفكير في الانتحار، بينما الرجال أكثر جدية في التنفيذ، كما أن الرجال يستخدمون وسائل انتحار أكثر فتكا فلا يعود هناك متسع من الوقت لإنقاذهم، كما أن الرجال أقل في طلب الاستشارة النفسية، والرجل قد يعاني من اضطرابات نفسية تعادل، أو تفوق ما تعاني منه المرأة، لكنه أقل إدراكا لما يشعر به، وهذا يزيد من مخاطر إقدامه على الانتحار».
ويرى القحطاني أن تعاطي المخدرات، وتناول الكحول والمنشطات، والحشيش والمهبطات، يُعدّ مدخلاً شائعاً للميول الانتحارية بسبب الآثار النفسية للعقاقير المخدرة، وأن الإفراط في إدمان بعض أنواع المخدرات المتداولة قد يؤدي إلى تعاطي جرعة زائدة من المخدر، أو تجربة أنواع جديدة من المخدرات المُخلقة التي قد تُنهي الحياة حتى قبل التفكير بالانتحار، والبعض يلجأ لتعاطيها عند بدء مرحلة التفكير بالانتحار، وهو لا يدرك أنها قد تؤدي به إلى حافة الهاوية سريعاً دون سابق إنذار.
ويضيف «أكثر مرتادي عيادة الإدمان هم من فئة الشباب، والذكور أعلى من الإناث، والأسباب عدة منها الشعور باليأس وفقدان المتعة في الحياة، والاضطرابات الذهانية، وتعاطي المخدرات، والاكتئاب والقلق».
سلوك سلبي
يرى متخصصون أن الانتحار سلوك فردي سلبي في مواجهة الأزمات الحياتية، وتؤثر في المقدم عليه عوامل عدة منها الاضطراب النفسي وعدم الثبات الوجداني.
ويعتقد كثيرون أن حالة التمرد التي يمارسها الشباب، والذين يستسهلون تجربة الأشياء الجديدة، ويقدمون على سلوكيات غير منضبطة، ومحاولة إثبات «الرجولة» التي يمارسونها، قد تقود إلى اللجوء للانتحار عند الاصطدام بالأزمات، خصوصاً أنها طريقة «قد تكون سهلة وسريعة» للتخلص من هذه الأزمة.
أسباب الانتحار
إلى جانب ما رآه الدكتور القحطاني من أن تعاطي المخدرات، وتناول الكحول والمنشطات، والحشيش والمهبطات تعد من الأسباب الرئيسة للانتحار، يرى مختصون أن للانتحار أسبابا أخرى، منها الفقر (تؤكد تقارير أممية أن 78% من المنتحرين في الوطن العربي أعمارهم بين 17 و40 عاما، وأكثر من 69% منهم كانت لديهم ضغوط اقتصادية متفاقمة ولا أمل في حلها)، ومنها أسباب أخرى قد تبدو للوهلة الأولى غريبة، لكنها تبقى معتادة حسب ثقافات الشعوب واختلافها.
ففي كوريا الجنوبية مثلاً، ينتحر كثيرون بسبب المنافسة العالية في سوق العمل والإخفاق في تحقيق الكفاءة المطلوبة للنجاح الوظيفي، وفي أماكن أخرى تلعب أسباب أخرى تأثيرها القوي في الإقدام على الانتحار، مثل «فقدان المعنى» و«عدم الإحساس بجدوى الحياة»، وهي أسباب غالبا ما تدفع الأثرياء والمشاهير إلى الانتحار.
وفي اليابان، يبدو شائعاً أن ينتحر شخص لمجرد أنه لم يقدم واجبه على الوجه المطلوب.
ولم يعد غريباً أن تُسمع قصص انتحار بعض اللاجئين والمهاجرين الذين أحبطتهم حياتهم الجديدة، واصابتهم بخيبة شديدة بعد رحلة لجوء وهجرة شاقة استنزفت كل ما يملكونه ماديا ومعنويا، ولذا كثيراً ما يقترن السلوك الانتحاري بالنزاعات والكوارث والعنف وفقدان الثقة والشعور بالعزلة.
الانتحار
10.5 حالات انتحار بين كل 100 ألف شخص
800 ألف منتحر في العالم سنويا
50% من المنتحرين أعمارهم أقل من 45 سنة
78% من المنتحرين في الوطن العربي أعمارهم بين 17 و40 عاما
69% من المنتحرين عربيا واجهوا ضغوطا اقتصادية متفاقمة
أكثر طرق الانتحار شيوعا
تناول جرعات زائدة من الأدوية
الشنق
إطلاق النار
تناول المبيدات السامة