من أعظم مقاصد الشريعة، وأصول الدين، تحقيق وحدة الكلمة، وائتلاف القلوب، وجمع كلمة المسلمين على إمام واحد، لأن الإمام إذا سمع وأطيع اجتمعت الكلمة، وانتظم الحال، وعند معصية ولي الأمر يكون الضعف والبلاء في الأمة، ولهذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب على كل مسلم في عنقه بيعة أن يحافظ عليها، وألا يتخلى عنها، ولا ينقضها.

يقول صلى الله عليه وسلم "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ"، ويقول أيضا: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".

وعن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «آمركم بخمس الله أمرني بهن: بالجماعة، وبالسمع والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم، قالوا: يا رسول الله وإن صام وصلى؟! قال: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم، بما سماهم الله جل جلاله: المسلمين، المؤمنين، عباد الله عز وجل» حديث صحيح رواه أحمد والترمذي.

وعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعةٍ ضلالة» رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

فتأملوا هذه النصوص، ومدى قوتها في الدعوة إلى وحدة الكلمة وضرورة اجتماعها، ولذلك فإننا نحذر المسلمين عامة وشبابنا خاصة من الإخلال بهذا الأمر بالتأثر بالشائعات الكاذبة والأراجيف المغرضة التي يديرها إعلامٌ لا يريد بالأمة خيرا، والأفكار الوافدة الهدامة التي تنشر عبر الفضائيات وعبر شبكة المعلومات تستهدف الطعن في الدين، وتبث الفرقة والاختلاف والخوف والهلع، وتقدح في الولاة والعلماء بلا وجه حق، فالتكاتف واجب مع القادة وأهل الحل والعقد على ما فيه نفع البلاد والعباد.

وباجتماع الكلمة وألفة القلوب تتحقق مصالح الدين والدنيا، ويتحقق التناصر والتعاون والتعاضد، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153]، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

ولأهمية اجتماع الكلمة ووحدتها كان من أعظمَ ما نهى الله عنه ورسوله الفرقة والاختلاف (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105] (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام: 159]، وفي الحديث عن النبي قال «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، وقال عبدالله بن مسعود "الخلاف شرٌ كله"، وقال الحسن "أيها الناس، إن الذي تكرهون في الجماعة خير مما تحبوه في الفرقة".

وهذه معانٍ عظيمة واجبة كل وقت، وهي آكد في أوقات الشدائد والأزمات والفتن، حفاظًا على حوزة المسلمين وحراسة للوطن والدين.