أضرب على ما تقدم بمثال واحد، وهو حرص البعض على بناء المساجد مثلا، لمجرد الصلاة فيها فقط، وعدم الاهتمام بالأدوار الاجتماعية الأخرى التي يمكن أن يؤديها المسجد، أو المسافات بين المسجد والآخر، وفي هذا كل الغفلة عما يحتاجه الناس قبل أو مع المسجد، من تفريج لكربات، قد لا يعرفها حتى أقرب الناس منهم، مع أن أبواب الخيرات كثيرة ومتعددة، وفتحها يحل كثيرا من المشكلات؛ فيمكن أن يبني الموسر مدرسة ويسلمها لوزارة التعليم مثلا، ويمكن أن يبني مستوصفا ويسلمه لوزارة الصحة، ويمكن أن توجد فرص عمل للشباب غير القادرين من المحتاجين، وقائمة الأعمال من هذا النوع، لا تنتهي، ويكفي في هذا أن يتأمل الإنسان الأولويات الربانية، في قول الحق، سبحانه وتعالى، في الآية 177 من سورة البقرة: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولٰكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولٰئك الذين صدقوا وأولٰئك هم المتقون}.
بعد الإيمان بالله تعالى، أكد جل جلاله، على الإنفاق في وجوه الخير والإحسان، وخصوصا تلك التي تتصف بالصبغة الاجتماعية، لأن فيها استقرارا الناس، وترابطهم، وتماسكهم، ويقول الصادق المصدوق، صلوات ربي وسلامه عليه، في الحديث الصحيح، الذي أخرجه الإمام مسلم وغيره: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..»، وكل هذا يعني المبادرة إلى أن نقوم بنصب سلم هرم أولوياتنا بالطريقة الصحيحة، لا أن نقلبه، ونهتم بالنوافل من الأمور، والقشور والمظاهر ونحوها.