قديماً كانت المطالبة بالحقوق تدور في نطاق ضيق تحت المظلة القبلية والتي قد تتأثر بالعادات والتقاليد، لتتطور مع مرور السنوات حتى أصبحت تحت مظلة إمارات المناطق والتي لا تألو جهداً في تطبيق مواد نظام الحكم السعودي منذ صدوره 1412، والقائمة على العدل والمساواة والمشورة والاهتمام بحقوق الإنسان، والدليل تخصيص الباب الخامس في النظام «للحقوق والواجبات»، والتي تشمل حقوقاً هامة لأي إنسان يسعى للعيش الكريم. ثم أُنشئت الجهات الحقوقية بعد ذلك تباعاً منذ عام 2004 والتي من اختصاصها مباشرة المطالبات الحقوقية للمواطنين على المستوى المحلي والدولي، ما ساهم على مدى السنوات الماضية في نشر الثقافة الحقوقية على درجة عالية من التمكين وعدم التردد في المطالبة بالحقوق الضائعة لمختلف الجنسيات، ولكن الإشكالية لدينا مازالت في آلية المطالبة بالحقوق من فرد لآخر، وذلك لأسباب عديدة، والتي تظهر بأثرها السلبي في العديد من القضايا المجتمعية، وأثر ذلك بالتالي في الاستقرار الأّسري والتمكين الاجتماعي، ومن أهم هذه الأسباب: (أساليب التنشئة الاجتماعية التي ساهمت في تشكيل تلك الشخصية النرجسية التي لا تسعى إلا لإشباع رغباتها، ونقص التعاطف مع الآخرين مهما كانت مخاطر تلك المطالبات على المحيط القريب منه).

فالحقوق (بخلاف حقوق ربّ العباد)، لأن المعني هنا الحقوق التي بين العباد، أنواعها ومستوياتها وأهميتها قوية تبعاً لمكانتها من فرد لآخر، لذلك فإن آلية المطالبة بها تختلف تبعاً لأسباب كثيرة، وإن كان الهدف هو «الحصول عليها والتمتع بمميزاتها المختلفة». فالكل لديه مطالب يسعى للحصول عليها سواء كانت شخصية، أو اجتماعية، أو عملية، ويحاول بشتى الطرق وبما لديه من مهارات للحصول عليها وتحقيقها، لكن بلاشك أن آلية المطالبة قد ترمي بصاحبها للتهلكة عندما تغيب عنه الأمور التالية:

-1 عدم اختيار الوقت المناسب للمطالبة بالحق.

-2 عدم معرفة المصدر المناسب للجوء إليه.

-3 تضخيم المعاناة من عدم الحصول على الحق.

-4 تشويه مكانة وسمعة المصدر المسؤول عن تنفيذ ذلك الحق.

-5 عدم إدراك خطورة نتائج تلك المطالبة على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي.

ومن الأمثلة العاجلة على المستوى الأُسري والتي بالإمكان طرحها، لا يتخيل الكثير منكم مدى تطورها لما هو أسوأ منها، وهي،

عندما تواجه فتاة ما رفض أسرتها ارتباطها بشاب تقدم لها للزواج، ولذلك تتأزم علاقتها بأسرتها، فإنها تتجه للهرب من أسرتها لجهة غير معلومة، بسبب ظلمهم لها في حقها بالزواج الذي اختارته، (هذا الهرب العشوائي يساهم بلاشك في تطور المشكلة من أُسرية إلى أخلاقية، أو جنائية) !

أيضاً عندما يتجه أحد الآباء لإثارة المشاكل مع طليقته لأنها طالبت بنفقة أطفاله، ويحرمها من زيارتهم لها إلا عن طريق المحاكم، بحجة أن حقه الأبوي هو الأساس، أما حقها كأمّ فهو في أدنى المراتب، وما ينتج عن ذلك بعد سنوات من نشأة أبناء عدوانيين أو منحرفين يسيئون لوالديّهم ولمجتمعهم.

كذلك عندما تسمح كثير من النساء لإخوانهن أو أزواجهن بالتصرف في نصيبهن من الإرث دون ضغط أو إجبار في البداية، ولكن بعدما يبدأ هذا النصيب في الزوال، تسعى بعد سنوات طويلة للمطالبة بحقها الشرعي، والذي قد تخسره بعد جلسات التقاضي، وما يؤدي إليه ذلك من تفكك أُسري، وقطيعة للأرحام، وغيرها من النزاعات الأُسرية التي لم تكن بالحسبان.

لذلك فإن ثقافة المطالبة بالحقوق من أهم المسؤوليات التي أتمنى من الجهات الحقوقية العمل عليها من خلال برامج مبادراتها الحقوقية مع الجهات الأخرى، فالوعي بالمطالبة ما زال قاصراً ليس على المستوى الأسري بل على مستويات كثيرة، إلى جانب التركيز على أهمية الموازنة ما بين المطالبة بالحقوق، والقيام بالواجبات (فهذه الموازنة المفقودة) لها دور قوي في تطور المشكلات إلى قضايا من الصعب علاجها دون تنازلات عظيمة من الطرفين !!