مع وصول حالات التحرش وتفشيها إلى حد يوجب التعامل معها قانونيا، لم يجد مجلس الشورى بداً من الموافقة على إضافة عقوبة التشهير إلى نظام مكافحة جريمة التحرش، الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم (م/ 96) والتاريخ 16 /9 /1439، وذلك بحسب جسامة الجريمة وتأثيرها على المجتمع، وذلك كوسيلة ردع إضافية يمكنها إيقاف تمدد هذه الحالات، ومنع تحولها إلى ظاهرة في مجتمع معروف بمحافظته وبحرصه على تقاليده واحترامه للغير. ومع تفشي التحرش كتراكم لانحدار في التفكير، وتأثر بالسوشال ميديا ممن يعانون الفراغ ويفتقدون الرقابة والمتابعة الأسرية، ومع كون المتحرش شخصية غير سوية تمتاز بالسلبية واللامبالاة وعدم الاهتمام بتبعية تصرفاتها ونتائجها، وانسياقها الفوري خلف أفكارها اللحظية دون تمعن بالعواقب، صار لزاما التعامل مع التحرش كجرم خطر له مدلولاته السلبية التي تستوجب الردع.

عقوبة إضافية

استمع المجلس قبيل اتخاذه قراره إلى تقرير لجنة الشؤون الأمنية بشأن دراسة إضافة عقوبة التشهير إلى العقوبات المنصوص عليها في نظام مكافحة جريمة التحرش المعاد إلى المجلس عملاً بالمادة (17) من نظامه، وما أبداه عدد من أعضاء المجلس من ملحوظات وآراء تجاه تعديل مشروع النظام خلال المناقشة، وذلك بحضور وزير الدولة عضو مجلس الوزراء لشؤون مجلس الشورى الدكتور محمد بن فيصل أبو ساق. والتشهير يعني إذاعة ونشر خبر إقدام متحرش على فعلته، سواء أكان هذا المتحرش ذكراً أم أنثى، فالتحرش وارد من الطرفين، ومتوقع من الجنسين على خلاف ما يعتقده كثيرون من أنه ينحصر فقط بالذكور دون الإناث.

وكشفت المداولات والنقاشات التي تناولت التقرير عن مطالبات بألا يقتصر التشهير فقط على جرم تكرار التحرش، أو على الحالات التي يكون فيها المتحرش ضعيفا كأن يكون غير راشد أو يعاني من إعاقة ما، أو أن للمتحرش به سلطة عليه.

وكان نص مقترح قد قدمه مجلس الوزراء على المادة السادسة من نظام مكافحة جريمة التحرش تضمن إضافة فقرة تقول «يجوز تضمين الحكم الصادر بالعقوبات المشار إليها في هذه المادة النص على نشر ملخصه على نفقة المحكوم عليه في صحيفة أو أكثر من الصحف المحلية، وذلك حسب جسامة الجريمة وتأثيرها على أن يكون النشر بعد اكتساب الحكم الصفة النهائية».

وبالتالي فإن التشهير بهذا المعنى هو عقوبة إضافية إلى ما تضمنه النظام من عقوبات أخرى. وكانت لجنة الشؤون الأمينة تتوجه إلى حصر التشهير بتكرار جرم التحرش أو اقترانه بما يستوجب تغليظ عقوبته، مشيرة إلى أن التشهير أساساً عقوبة إضافية لا يؤخذ بها في الأنظمة إلا حال كون الجرم جسيما أو كون عقوبته مشددة، خصوصاً أن التشهير لا يطال المتحرش وحده، وإنما يمتد أثره إلى أسرته.

كما استندت اللجنة إلى أن النص الوارد للشورى من مجلس الوزراء تضمن الإشارة إلى مدى جسامة الجريمة في معرض إضافة عقوبة التشهير.

انخفاض ملحوظ

منذ صدور نظام مكافحة جريمة التحرش، بالمرسوم الملكي ذي الرقم (م/ 96) والتاريخ 16 /9 /1439، بدأت جرائم التحرش بالانخفاض، ويرى مختصون قانونيون أن هذا الانخفاض سيصل إلى مستويات أفضل بمراحل إذا ما أقرت عقوبة التشهير، مستندين في ذلك إلى تجارب دول مجاورة، وإلى أن التشهير عقوبة رادعة أثبتت فعالية كبيرة في الردع والزجر، إلى درجة تفوق العقوبات البدنية، خصوصاً أن كثيراً من المتحرشين يقدمون على فعلتهم متستترين بعدم علم الآخرين بأفعالهم.

تقدير القضاء

يذكر المستشار الأسري والتربوي أحمد سليمان النجار أن التشهير حكم قضائي يلجأ إليه القضاء في حال وجد أن مرتكب الجريمة يستحق عقوبة تعزيرية أشد من الحكم، يعني أن يعاقب بعقوبة التحرش، ويضاف إليها عقوبة التشهير، ويرى أن عقوبة التشهير لا تشمل جميع المتحرشين، بل يعود مردها إلى القضاء، ورؤية القاضي في هذا الحكم التعزيري. ويضيف «قضية التحرش قضية كبيرة جداً لا يكفي فيها التشهير، وتختلف مناسبة حكم التشهير من حالة إلى أخرى، فإن رأى القاضي أن الحالة تستحق أن يتخذ قرار التشهير، لكن على صعيد المجتمع سيكون التشهير رادعا قويا جداً لكثير من ضعاف النفوس ممن يقدمون على مثل هذه الأمور، لكني لا أظن أن القضاء يلجأ إليه إلا في حالات محدودة للغاية، لأن التشهير لا يمس الشخص نفسه فقط، بل يمس أسرته والمحيطين به، والمجتمع بأكمله، فالتشهير هو أحد الحلول المناسبة للغاية، لكنه ليس الحل الوحيد والأمثل، ولا بد هنا من رفع مستوى الثقافة والتوعية لدى المجتمع، ولا بد من تكاتف جميع الوسائل للتعامل مع هذا الملف (التحرش) الذي بات مقلقا للغاية، ووضع برامج تدريبية، وتوجيهات للمتحرش بهم».

أثر بالغ

يوضح النجار أن «التشهير بالمتحرش سيكون له أثر كبير للغاية على نفسية المتحرش، ومستقبله أيضاً، وقد يطال سمعة عائلته، وقبيلته، ومجتمعه، والمنطقة التي يسكنها، كما يفتح العيون على أمور كثيرة، وآثاره كأي عقوبة تقع على مرتكب أي جرم لن تكون سهلة أو بسيطة، فهو من أشد وأقسى أنواع العقوبات، ولكن إقرار تطبيقه سيترك آثارا إيجابية رائعة جداً على المجتمع، فالمجتمع قوة ضاربة يضغط بها على مرتكب حماقة وضعف ومرض التحرش لردعه، فمن سيقدم فيما بعد سيتذكر أن فعلته ستكون وصمة عار له ستظل خالدة، لا تمحى، ولا تنسى». وبيّن «هناك مجموعتان من النتائج التي ستترتب على التشهير، أولها إيجابية ستنعكس على المتحرش به، وعلى المجتمع، وعلى ملف التحرش، فالتشهير سيردع من تسول له نفسه فيما بعد بهذا الفعل، ويغلق الباب بقوة القانون بحيث تقل الحالات، ويفكر كل متحرش قبل أن يقدم على مثل هذه الجريمة بأن النتائج عليه ستكون سلبية، وربما مدمرة للغاية، وهذا عامل ردع وزجر مهم جدا».. وتابع»من الطبيعي أن تحدث مناقشة هذا النص انقسامات عدة بين من يؤيدونه ومعارضيه، ومن الطبيعي أن تختلف الآراء، فلكل شخص فكره، ورؤيته، وفلسفته الخاصة، والمشكلة في رفض البعض لإقرار التشهير يعود لسببين: الأول: الثقافة القديمة التي رسخت أن المتحرش به هو من تسبب لنفسه بالتحرش من خلال لباسه، وقلة حشمته، أو دخوله أو وصوله أماكن ومواقع بعينها، ويحملونه مسؤولية التحرش، وهذا خطأ كبير ومنطق أعوج ومرفوض، على الرغم من أننا مع توجيه رسائل للمتحرش به لإغلاق كل الأبواب التي يمكن أن ينفذ منها أو عبرها ضعاف النفوس أو يتخذونها حجة لتبرير إقدامهم على التحرش.. وهنا لا بد أن أوضح أيضاً أنه أياً كان ما يفعله المتحرش به فإنه لا يحق لأحد التحرش به. الثاني: ما ذنب أسرة وعائلة وقبيلة ومنطقة المتحرش حتى يطالهم بعض نتائج فعله الجرمي، فالتشهير ضربة قوية للغاية ككرة البولينج تضرب، فتصيب الجميع.

امتداد الآثار

ينوّه الباحث الاجتماعي معاذ الشبانات إلى أن سلبيات التشهير بالمتحرشين تمتد بعيداً بالنسبة للمتحرش، وقد ينعكس أثرها الممتد عليه اجتماعياً ونفسياً، وربما كذلك قد تصل الأمور إلى الجوانب الاقتصادية، فيبلغ أثرها وظيفته أو عمله الخاص أو تجارته.

لكن الشبانات يرى في العقوبة كذلك تأثيراً إيجابيا قويا على النظام داخل المجتمع، فالأنظمة بشقيها الرسمي والاجتماعي يكون الردع والزجر أحد أبرز جوانب الضبط فيها، وهذا يتمثل في السجن أو التعزير في النظام الرسمي، أو النبذ وتغيّر المكانة الاجتماعية في النظام الاجتماعي. ويقول «من هذا المنطلق يكمن الخلاف بين المؤيدين لقانون التشهير بالمتحرش، وبين الرافضين له، فالطرف الموافق يرى أن مع العلاج لا بد من الألم، فهو مع المجتمع، أما الطرف الرافض، فهو مع الفرد المتحرش يرى أن التأثيرات كبيرة عليه، وقد تجعل منه فردا عدوانيا وسلبيا تجاه المجتمع بعد التشهير به، كما أن المجتمع يفقد هذا الفرد بعد تدميره نفسياً واجتماعياً، وبشكل أوضح كلا الاتجاهين في الرأي يحملان جوانب إيجابية، وجوانب سلبية، والفيصل هنا في التفضيل بين الرأيين، الرافض والمؤيد هو غلبة الإيجابيات للاختيار، وغلبة أحدهما على الآخر».

الحل في التوسط ‏

يرى الشبانات أن «التوسط في الأمر هو الحل، فظاهرة التحرش موجودة في أغلب المجتمعات الحديثة، وتختلف أشكال وأنماط التحرش من مجتمع لآخر، فنجد في مجتمعات أن هناك عبارت وثيمات تدخل في دائرة الاحترام والتقدير، بينما في مجتمعات أخرى تجعلك متحرشاً أو غير مهذب، ولكننا نتفق جميعاً أن هذه الظاهرة موجودة، ولذلك للقضاء على هذه الظاهرة يجب أن يسن قانون التشهير، ولكن يجب أن تكون له قواعد، وإيضاحات قانونية لنحصل على الجوانب الإيجابية لكلا الاتجاهين، فإقرار القانون مهم، وإعلان تفاصيله، والجهات المسؤولة عن تنفيذه سيجعل من الرافضين له رأي آخر». و‏يكمل «التشهير بالمتحرش سيردع غيره، ولكن يجب أن يتم العفو عنه لأول مرة، وتوقع عليه العقوبة للمرة الثانية، أو الثالثة وفق لجنة تقر ذلك بعد الدراسة المستفيضة، والتأكد من الحالة بأنها ليست كيدية، أو أمر آخر، وللجنة النظر في حالة المتحرش، وسجله الجنائي، ويجب كذلك أن تحدد درجات التحرش ما بين اللفظي، أو الحركي، أو الإلكتروني أو حتى الجسدي، وليس كل متحرش يشهر به، فالدرجة، ونوعية التحرش، والتكرار هي الفيصل في هذا الأمر».

تأييد العقوبة

يؤيد المحامي نواف النباتي إضافة التشهير ضمن عقوبات التحرش، يقول «عقوبات التحرش الموجودة الغرامة والسجن، وعلى الرغم من وجود نظام مكافحة جريمة التحرش رأينا التصرفات التي صدرت من البعض في بعض المناسبات الكبيرة الهامة، حيث لم يكن النظام رادعا للبعض، وأعتقد أن إدراج التشهير ضمن عقوباته سيجعله رادعا أكثر، ويساهم بشكل كبير في الحد من التحرش، فالتشهير هو الحل الأنسب، ويحقق ردعا أشد من الغرامة والسجن». ورأى أن أعتماد إضافة العقوبة إلى نص النظام يحتاج إلى صدور أمر ملكي بإضافتها، ومن ثم يتم إعلانه بجريدة أم القرى ويبدأ تطبيقها بعد ذلك.

وأوضح «التشهير عادة كعقوبة ينشر من خلال الصحف، ولكن حتى الآن لم يوضح كيف يتم التشهير بمن تعرض للتحرش، وآليته، فعلى سبيل المثال لو نلاحظ الأحكام الواردة بمخالفة نصوص التستر التجاري، يتم التشهير من خلال حساب الوزارة عن طريق تويتر، والشورى وافق على إدراج التشهير ضمن عقوبات التحرش، ولكن حتى الآن لم تصدر الآلية، لعدم صدور القرار».

حث على الستر

يشدد المستشار الاجتماعي والأسري شجاع القحطاني على أن الدين الإسلامي حث على الستر، ويقول «في التشهير نوع من الإيذاء والضرر النفسي وربما يأتي بنتائج عكسية منها التمرد أكثر على المجتمع والنظام والقوانين، وربما يكون مصير المتحرش النفور والطرد والإبعاد من أسرته، وابتعاد جيرانه ومعارفه، وهذا يؤثر على مستقبله، وعلى عودته مرة أخرى إلى الحياة المستقيمة، وربما يصبح عدوانيا أو انطوائيا أو منعزلا، وبالتالي فأضرار التشهير كثيرة، وتكفي هنا في اعتقادي عقوبتا السجن أو الغرامة، أو حتى التكليف بأعمال خدمة اجتماعية«. وطالب القحطاني قبل البحث عن تغليظ العقوبات على الجريمة أن نبحث أسبابها ونحاول منعها.

تعريف جريمة التحرش حسب النظام

المادة الأولى »

يقصد بجريمة التحرش، لغرض تطبيق أحكام هذا النظام، كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة».

أثر التنازل وإمكانية الإبلاغ المادة الثالثة:

1- «لا يحول تنازل المجني عليه أو عدم تقديم شكوى دون حق الجهات المختصة - نظاماً - في اتخاذ ما تراه محققاً للمصلحة العامة، وذلك وفقاً لأحكام نظام الإجراءات الجزائية، والأنظمة الأخرى ذات الصلة.

2- لكل من اطلع على حالة تحرش إبلاغ الجهات المختصة، لاتخاذ ما تراه وفقاً للفقرة رقم (1) من هذه المادة».

عقوبات نص عليها نظام مكافحة جريمة التحرش المادة السادسة:

1- مع مراعاة ما تقضي به الفقرة رقم (2) من هذه المادة، ودون إخلال بأي عقوبة أخرى تقررها أحكام الشريعة الإسلامية أو أي عقوبة أشد ينص عليها أي نظام آخر، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة مالية لا تزيد على مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من ارتكب جريمة تحرش.

2- تكون عقوبة جريمة التحرش السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، (في حالة العود أو في حالة اقتران الجريمة بأي مما يأتي):

أ- إن كان المجني عليه طفلاً.

ب- إن كان المجني عليه من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ج- إن كان الجاني له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المجني عليه.

د- إن وقعت الجريمة في مكان عمل أو دراسة أو إيواء أو رعاية.

هـ- إن كان الجاني والمجني عليه من جنس واحد.

و- إن كان المجني عليه نائماً، أو فاقداً للوعي، أو في حكم ذلك.

ز- إن وقعت الجريمة في أي من حالات الأزمات أو الكوارث أو الحوادث».

المادة السابعة:

1- «يعاقب كل من حرض غيره، أو اتفق معه، أو ساعده بأي صورة كانت، على ارتكاب جريمة تحرش؛ بالعقوبة المقررة للجريمة.

2- يعاقب كل من شرع في جريمة تحرش بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها.

3- يعاقب كل من قدم بلاغاً كيديًّا عن جريمة تحرش، أو ادعى كيداً بتعرضه لها، بالعقوبة المقررة للجريمة».

النص المقترح إضافته كفقرة ثالثة على المادة السادسة من النظام

«يجوز تضمين الحكم الصادر بالعقوبات المشار إليها في هذه المادة النص على نشر ملخصه على نفقة المحكوم عليه في صحيفة أو أكثر من الصحف المحلية، وذلك حسب جسامة الجريمة وتأثيرها، على أن يكون النشر بعد اكتساب الحكم الصفة النهائية».