إن فهمنا لمسألة "الجنس" ليست فقط مهمة من أجل معرفة الطريقة التي يرانا بها الآخرون، بل إنها أيضا مهمة لفهم الطريقة التي نرى بها أنفسنا، ولقد أظهر عدد من علماء النفس والاجتماع والأنثروبولوجي وغيرهم اهتماما واسعا بدراسة أوجه التشابه والاختلاف بين الذكور والإناث من ناحية استخداماتهم للأنماط المختلفة من التواصل بين الجنسين بعضهم مع بعض أو تواصل أحدهم مع الطرف الآخر، ونقصد بذلك تحديدا نبرات الصوت، وقول الصراحة، وانتقاء الكلمات أثناء الحديث، وطريقة سؤال أو اعتذار بعضهم لبعض، وكذلك استخدام لغة الجسد أثناء الحديث. إن كثيرا من الشواهد والأدلة حول اختلاف لغة النساء عن الرجال تستند غالبا على أعمال العالمة المشهورة "روبن لا كوف" والتي بدأت اهتماماتها في هذا المجال منذ القرن الماضي، حيث ألفت كتابا سمته "مكانة اللغة والمرأة" تطرقت فيه لكثير من الجوانب حتى أصبح كتابها من أهم المراجع لكثير من الأبحاث والدراسات فيما بعد بين مؤيد ومعارض. وبعد البحث والتقصي، وجدت أنه من السهل الممتنع التحدث عن الفروق بين الذكور والإناث من حيث استخدام اللغة وأنماط الكلام. فمن ناحية سهولتها، فإن معظم الأدلة والآراء والنتائج التي قدمها علماء اللغة الاجتماعية وغيرهم من الباحثين القدامى مثل لا كوف (1975) وترو دجيل (1970)، والذين اهتموا بدراسة الاختلافات بين الجنسين من ناحية استخداماتهم المتنوعة للغة والتي بدورها سهلت على المهتمين من الباحثين وغيرهم الحصول على المعلومات بكل يسر وسهولة. ومن ناحية صعوبتها، فإن القارئ يشعر بنوع من الارتباك والريبة عندما يقرأ آراء النقاد والكتاب الذين يحكمون على القضايا المتعلقة بالاختلافات بين الجنسين، وبالمقابل فإنه أصبح من الواضح ملاحظة تبني الناس وتأثرهم للمواقف المتأصلة الراسخة والسماح لهذه المواقف بالتأثير على عواطفهم بكل سهولة. علاوة على ذلك، فقد وجدت أن معظم الدراسات والأبحاث قد استندت كثيرا على آراء العلماء السابقين والتي كانت مبنية على ملاحظة ومراقبة مجتمعاتهم في تلك الحقبة من الزمن والتي أظهرت تفوقا واضحا وجليا للرجال على النساء أخلاقيا وفكريا، حينما كانت لهم السيطرة التامة والغلبة الكاملة على معظم منافع الحياة كفرص العمل ومقاعد الدراسة وغيرها، في الوقت التي كانت تقبع فيه النساء في منازلهن يقمن برعاية أطفالهن والاهتمام بأزواجهن وتوفير سبل الراحة لهم، ولذا فإن تلك الممارسات وغيرها كانت لها الأثر البالغ في التأثير على لغتهن سلباً وإيجاباً. وهذا الأمر اختلف كثيرا أعقاب ثورة حقوق المرأة والمساواة الموجودة في العالم الحالي وخاصة في بعض البلدان كالشرق الأوسط مثلا، حيث استطاعت المرأة الحصول على حقوقها الكاملة في كثير من المجالات كالتوظيف والتعليم وغيرها، بل أصبحت قادرة على العمل في أي مكان تريد، ويمكنها التواصل مع قريناتها أو حتى مع الجنس الآخر بكل سهولة. لذلك، فمن الصعوبة بمكان تمييز ومعرفة الفروق بين الذكور والإناث من ناحية استخداماتهم للغة، نظرا لما يتمتعون به من التساوي في الفرص الحياتية في كثير من المجالات.