قال أحدهما: اشتركت في قروب ضمّ مجموعة، بعضهم يتحدثون عن داعش ويؤيدونها، لكني لم أكتب شيئا، وخرجت منه بعد فترة.

وقال الآخر: حصلت على قطعة سلاح بطريقة غير نظامية، وأردت إتلافها، خشية من المساءلة.

فقلت لهما: وهل تحسبان أن ما فعلتماه هيناً، إنه يتعارض مع أصلٍ من أصول العقيدة السلفية، وهو البيعة والإمامة والسمع والطاعة.

فقالا: كيف ذلك.

فقلت: النصوص الشرعية من الكتاب والسنة تدل على السمع والطاعة لولي الأمر، وتدل على وجوب الصدق معه، وعدم إخفاء أي معلومات تضر بالأمن والاستقرار، (ثم سردت تلك الأدلة عليهما).

فقالا: لو بلّغْنا لتعرضنا للأذى.

فقلت: قولكم هذا يدل على ما ذكرته لكما من أن لديكما سوء فهم لمسائل العقيدة لا سيما مسألة البيعة والإمامة واستحقاقاتهما.

فمن هو الذي صوّر لكم أن الدولة عدو يجب إخفاء المعلومات عنها؟ إنه لا يصح أبداً أن نتوجس من الدولة، أو أن نكون في فجّ، والدولة في فجّ آخر، هذا خطأ عقدي، يخالف ما ذكرته لكما من الأدلة الشرعية، لقد فرض الله علينا الصدق وعدم الغش لولي الأمر، فهو يحمي حوزة الدين، ويحمي أمن الوطن وكل مَنْ في الوطن، بما فيها أنتم وأسركم ومَنْ تحبون، الدولة: كخيمة الراعي يستظل بها الجميع، ونحن ودولتنا يجب أن نكون صفاً واحدا، في السر والعلن، ولا نلتفت لأي كلام يقلل من هيبة الدولة، أو يسيء بها الظنون، لأننا نعرف أنه لا يُحدث فجوة بين الراعي والرعية، إلا فاسد العقيدة، أو مرتزق يحب إيجاد خصوم للدولة، بالتخوين والاستفزاز للمواطنين بالظن والهوى، وكأنه لا يحب الدولة إلا هو، هذا مسلك خطر جدا.

فالدولة كما في النظام الأساسي للحكم (تمنع كل ما يؤدي للفتنة والانقسام) والناصح: يُحبب الراعي للرعية، والرعية للراعي، وليس العكس.

فقالا: هذا صحيح، ولكن كما قلنا لك لو بلّغْنا الدولة فإننا نُساءل.

فقلت: وليكن، الصادق لا يهمه أن يُساءل، طالما أنه لم يعمل سوءا، وكان منطويا قلبه على الصدق والإخلاص والنزاهة.

فقالا: وما الدليل الشرعي على ذلك؟

فقلتُ: الدليل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وهذه نزلت في كعب بن مالك وصاحبيه، فقد بلغوا إمام المسلمين رسول الله عليه الصلاة والسلام بخطئهم، ورسول الله لم يُسائلهم فقط، بل أمر بهجرهم، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وقد استغل هذا الحدث أعداء الإسلام في الخارج، فكتبوا لكعب بن مالك رضي الله عنه ما يلي: (بَلَغَنا أن صاحبك قد جفاك فالْحَقْ بنا نواسك)، لكنه رضي الله عنه رأى أن الانحياز إلى الأعداء ضد إمامه ومجتمعه المسلم خيانة وجريمة وبلاء، فأحرق الخطاب، وبقي في المدينة، فماذا كانت نتيجة صدقه وولائه؟ النتيجة: نزل فيه وفي صاحبيه قرآن يتلى إلى يوم القيامة، رفع الله فيه شأنهم، وقَبِلَ توبتهم، قال تعالى (لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من اللّه إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن اللّه هو التواب الرحيم).

فالصدق لا يأتي إلا بخير.

فقالا: هذا دليل نصٌ في الموضوع، ولكن ما توقعنا أننا وقعنا في خطأ كبير.

فقلت: بلى وقعتما في خطأ كبير، فأنت يا صاحب القروب: تعلم يقيناً أن داعش تُفجِّر المساجد والمساكن وتسعى في الأرض فسادا، ومع ذلك لم ترد عليهم، ولم تُبلّغ عنهم، وهذا خطأ شنيع، عليك التوبة إلى الله، وعدم العودة إلى مثله، وعليك دراسة العقيدة على أيدي العلماء الراسخين.

وأنت أيها الآخر: أخطأت في كتمان السلاح، وإساءة ظنك بالدولة، وخالفتَ مقتضى البيعة والسمع والطاعة والنصح وعدم الغش والكتمان لولي الأمر.

فالذي فرض الصلاة والصوم والحج والزكاة هو الذي فرض السمع والطاعة لولي الأمر وأوجب علينا الصدق والبيان له، ومعاذ الله أن نؤمن ببعض ونكفر ببعض.

فقالا: هذا صحيح، عرفنا بالأدلة الشرعية، وجه مخالفتنا، ولن يتكرر ذلك إن شاء الله، وعسى الله أن يتوب علينا.