قال الملك عبدالعزيز رحمه الله : (إن المسلمين بخير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة ، أما (التجديد) الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا فهو لا يوصلنا إلى الغاية القصوى، ولا يدنينا من السعادة الأخروية، إننا لا نبغي هذا (التجديد) الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا.. إننا نبغي مرضاة الله -عز وجل- ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه، وهو ناصره... لقد فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من الأعتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد، ومن التجدد غير التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فنصرني الله نصرا عزيزا.. إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب، يأتي أجنبي إلى بلد ما، فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين، فيعمل عمله بمفرده، فهل يعقل أن فردا في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان يساعدونه، ويمدونه بآرائهم وأعمالهم؟ كلا، ثم كلا، فهؤلاء الأعوان هم سبب بليتنا ومصيبتنا.

إذاً فاللوم واقع على المسلمين وحدهم لا على الأجانب، إن البناء المتين لا يؤثر فيه شيء مهما حاول الهدامون هدمه إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول وكذلك المسلمون لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم.

في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام، وضربها في الصميم، وإلحاق الأذى بنا، ولكن لن يتم لهم ذلك -إن شاء الله- وفينا عرق ينبض).انتهى.

فعلّق نجيب الريس (1898- 1952) (على هذه الكلمات الذهبية للملك عبدالعزيز، فكان مما قال تحت عنوان ( بداوة مستقلة خير من مَدَنيةٍ مُستَعْبَدة) مايلي: « ليسمح لنا دعاة المدنية والتجدد أن نفاجئهم بهذه الفكرة الجديدة ، وأن نُعلِّق على هذه الكلمات الكبيرة التي قالها أكبر ملك عربي مستقل، خبر الحوادث، وخاض غمارها، وخرج بهذا الدرس الذي يلقيه على العرب والمسلمين، بل على هذا الشرق المستعبَد، الذي لايستطيع أن ينجو من مطامع الغرب إلا إذا استمسك بدينه وماضيه وتراثه، وأنه كلما دنا من المدنية الكاذبة، وخُدع بمواعيد الأجانب، بعُد عن حريته واستقلاله، وإني لأرجو أن لا يأخذ عليّ إخواني هذا الرأي بأنه «رجعي» فأنا لا أقصد به أن يُبعد الشرق عن التمسك بكل ما هو نافع من علوم واختراعات وجميع وسائل القوة والحضارة، وجلالة الملك عبدالعزيز لا يطلب من المسلمين أن يظلوا على جهلهم وخمولهم، ولكنه يريدهم أن يتمسكوا بدينهم وماضيهم، وألا يكونوا عبيداً وجواسيس للأجانب، يعملون لحسابهم، ويعاونونهم على إذلال أوطانهم.

لقد أساء بعض الناس فهم المدنية، وحسبوا أن الدين الإسلامي يحول بينهم وبين الحضارة، في حين أن الاسلام هو الذي ظل يفيض على العالم قوة وفتحا ومدنية وعلما في كل سائر القرون، فما وجد خلفاؤه وملوكه في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مانعا دينيا يمنعهم من اتخاذ الأساطيل وركوب البحر وتعلم لغات الأوروبيين ودراسة علم الرياضيات والصيدلة وسائر العلوم، فإذا دعا جلالة الملك عبدالعزيز إلى التمسك بالكتاب والسنة، فإنما يدعو إلى القوة والاتحاد والعلم.

إن الأجنبي لا يحترم شيئا مهما ادعى الإنسانية والرحمة سوى القوة، لتجلس على الحصير، وتأكل بيدك لا بالشوكة ... ثم لتكن بعد ذلك قويا فإن الأجنبي يحترمك، لأنه لا يحترم إلا القوة .. لم ينتفع إلمام كثير من شباب الدول بدعوتهم إلى التجدد لا سيما أصحاب السفور والبرنيطة، بقدر ما نفع النجديين بأسهم وقوتهم ، بل إن الحياة البدوية، وذلك النظام الشرعي الذي قاله جلالة الملك، صان بلادهم من أي تدخل أجنبي، بحيث أصبحت حرة مستقلة، في داخليتها وخارجيتها، ليس لأجنبي فيها أي امتياز، وإنما هو خاضع للشريعة.

لقد أبى جلالة الملك أن يسمع دعوة أنصار التجدد لئلا يتخذ هذا التجدد نفسه سلاحاً لإقامة الفتن في بلاد تعيش على الشريعة والفطرة.

على أوروبا ألا تُتْعب نفسها بالدعوة إلى التجدد في الشرق، فهي غير مخلصة في هذه الدعوة، لأنها تدعو إليه ثم تتخذه آلة لإذلاله.

إن الشعب (الضعيف) لا يصل إلى حقه ولو ملأ العالَم فلاسفة وحقوقيين ومهندسين ومخترعين، فقد ملك ابن سعود هذه البلاد الواسعة المحدودة من العراق والشام واليمن والبحر الأحمر والخليج - بفضل الله - ثم بقوته وقوة جيشه، وبهذه القوة وُضع اسمه إلى جانب اسم ملك بريطانيا وإمبراطور الهند في معاهدة الند للند، وها هو هذا الاسم القوي يوضع قبل خمسة عشر يوماً إلى جانب اسم رئيس جمهورية ألمانيا، في معاهدة النظير للنظير».