دائما يطالب عقلاء الناس والحكماء منهم، بإحياء الحوار بين مختلف أصناف البشر؛ وهذا المطلب المميز، وبدون شك، نحتاج إذا أردنا إنجاحه لأمور كثيرة، وفي مقدمتها، أن نتحرر من العقد، والحساسيات، وما يمكن أن يترتب عليهما من نفور، قد يشعر به أحد على أحد..

بين الناس جميعا قرابات روحية، وتعاطفات باطنية، ووحدة إنسانية؛ شاؤوا أم أبوا، والقرآن الكريم لخص الدعوة إلى التواصل المنشود، في قول الحق، عز وجل، في سورة الحجرات»:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}، واشترط المولى، عز وجل، لهذا الأمر تعليمات نص عليها القرآن الكريم، في سورة النحل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}..

الدلائل والقصص كثيرة في إثبات الدعوة إلى التحاور والتواصل، وعدم التهيب من ذلك، والحذر كل الحذر من القطيعة، وعدم التنازل عن الاحترام المتبادل، وصولا للالتقاء على ما فيه خير الجميع، سواء كان ذلك متعلقا بعقائدهم، أو أخلاقياتهم؛ ولكل ضوابطه، ومحترزاته..

لا ينبغي التخوف، كما ذكرت، من مسائل العقائد؛ ولكن ينبغي ألا يغيب عن الذهن، أن الإسلام كفل للناس حرية الاعتقاد،{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}، ولا سبيل لأحد على أحد، ومن يريد أن يتمسك بما ترسخ عنده من معتقد، فله ذلك، وما انسد من باب في هذا المجال، ينبغي ألا أن يكون مسدودا في المجال الآخر وهو الأخلاقيات، التي ذكرتها سابقا، وهذه مجالها ثري جدا؛ فإن الناس جميعا شركاء في المبادئ الرفيعة، والأخلاقيات الإنسانية، وكل ما يمكن أن يصل بالأفراد والمجتمعات إلى التقدم والاستقرار والسلام العام، ويتوقف هذا كله على حسن استعداد الناس لذلك، ووفرة قناعتهم بأن الدنيا لا تستحق أن تظل دارا للعبث والظلم والاضطهاد والتطرف ونحو ذلك، بغض النظر عن انتماءات الناس، أيا كانت تلك الانتماءات، شريطة ألا تكون انتماءات تخريبية

أو مخفية..

إن المسؤولية الذاتية لكل إنسان أمر مهم، ولا يعني ذلك أن يعمل الإنسان الخير فقط، بل يجب عليه أن تكون له مواقف إيجابية ضد الشر والأشرار، وأن يتضامن مع كل مضطهد أو مظلوم، بصرف النظر عن أي موانع وهمية، فالبشر في أصلهم واحد، وآمالهم تجمعهم، والتسامح طريقهم، وهذه الأمور لا تأتي بصورة تلقائية، بل تحتاج إلى جهود مشتركة، ومشاركات عامة، مع عدم غض الطرف أو التهميش لمن لا يستحق ذلك، من النماذج الرائدة، التي لا هم لها أكثر من تعزيز التضامن، والتغلب على العقبات.