أثار بيان هيئة كبار العلماء والمتضمِّن التَّحذير من جماعة الإخوان المسلمين ووصفهم بالإرهاب كثيرًا من الانطباعات المتفاوتة بين الإعجاب والنَّقد والتشكيك، وتم طرح عددٍ من الأسئلة من باب التعريض بالبيان ونقده والحمل عليه.

وفيما يلي أُورد ما اطَّلعتُ عليه من أسئلة حول هذا البيان، وأجتهد في مناقشتها، متقدمًا بين يدي ذلك بأمر عظيم وهو وجوب العدل في القول على كل مسلم، وأنَّ الجناية بالقول باب عظيم من أبواب الظلم، والله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]، فقد قرن تعالى الأمر بالشَّهادة بالقسط إلى القيام لله تعالى وحده، وأمر بالعدل مع الشَّانئين أصحاب العداوات والبغضاء، وبيَّن أنَّ العدل مع هؤلاء هو علامة التقوى؛ وعليه فلا يحلُّ لمن والى الإخوان ظلم من خالفهم؛ فظلم هيئة كبار العلماء محرَّم، وظلم الدول التي تجرم الإخوان محرم؛ ولو تحرينا العدل وعلمنا أنَّه واجب لكل أحد وليس من وافقنا وحسب لأفلحنا فلاحاً كبيرا؛ وفي هذه المقالة أسأل الله تعالى أن يريني الحق حقًّا ويرزقني اتباعه، ويريني الباطل باطلاً ويرزقني اجتنابه.

تساءل بعضهم لامزًا: كيف لم تعرف هيئة كبار العلماء الإخوانَ قبل هذا التاريخ؟

والعدل أن يقال: إنَّ هيئة كبار العلماء ولجنتها الدائمة ليس لهم من قديمٍ تزكيةٌ مطلقة للإخوان حتى يقال: إنَّ قولهم اليوم مناقضٌ لقولهم بالأمس، فلا أعرف أنَّ الهيئة مجتمعة أو لجنتها الدائمة بصفتهم الاعتبارية أو بصفاتهم الشخصية أطلقوا التَّزكية للإخوان حتى يقال إنَّهم لم يكونوا يعرفونهم، أو أنَّ البيان الجديد مناقض لِمَا كانت عليه الهيئة؛ وإليك هذا المثال مع التعليق عليه من أجوبة اللجنة الدائمة:

أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق

السؤال الأول من الفتوى رقم (6250):

س1: في العالم الإسلامي اليوم عدة فرق وطرق، الصوفية مثلا، هناك جماعة التبليغ، الإخوان المسلمين، السنيين، الشيعة، فما هي الجماعة التي تطبق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟

ج1: أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه: أهل السنة؛ وهم أهل الحديث، وجماعة أنصار السنة، ثم الإخوان المسلمون.

وبالجملة فكل فرقة من هؤلاء وغيرهم فيها خطأ وصواب، فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب، واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء، مع التناصح والتعاون على البر والتقوى.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء».

فالفتوى جعلتهم صفاً ثالثًا بعد أهل السنة ومَيَّزَتْهُم عن أهل الحديث وأنصار السنة بأداة العطف ثُمَّ.

فتوى ابن باز

وهذه أيضًا فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز فيهم، أُورِدُها مثالاً لرأي أعضاء هيئة كبار العلماء بصفتهم الشخصية: «السؤال: أخ يسأل عن بعض الجماعات الإسلامية، مثل جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين، ويقول: هل هؤلاء من أهل السنة والجماعة؟

الجواب:

كلهم عندهم نقص، جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين، يجب أن يحاسبوا أنفسهم وأن يستقيموا على الحق، وأن ينفذوا ما دل عليه الكتاب والسنة، في توحيد الله والإخلاص له، والإيمان به واتباع شريعته، وعلى الإخوان المسلمين وفقهم الله أن يحاسبوا أنفسهم وأن يحكموا شرع الله فيما بينهم، وأن يستقيموا على دين الله: قولًا وعملًا وعقيدة، وأن يحذروا مخالفة أمره أينما كانوا، وعلى جماعة التبليغ أيضًا أن يحذروا ما كان يفعله أسلافهم من تعظيم القبور، والبناء عليها، أو جعلها في المساجد، أو دعائها والاستغاثة بها، كل هذا من المنكرات، والاستغاثة بها من الشرك الأكبر، فعليهم أن يحذروا ذلك، لهم نشاط في الدعوة إلى الله، وكثير منهم ينفع الله به الناس، لكن عند أسلافهم عقيدة غير صالحة، فيجب على الخلف أن يتطهروا منها، وأن يحذروا العقيدة الرديئة، وأن يستقيموا على توحيد الله حتى ينفع الله بهم وبجهادهم»( ).

فواضحٌ أنَّ الشيخ لم يزكِّهم بل أنحى عليهم باللائمة، وطلب منهم مراجعة أنفسهم وما هم فيه.

إذاً فالهيئة وعلماؤها لم يكونوا يُزكون الإخوان تزكية مطلقة، وذلك لأنَّ الإخوان كسائر الجماعات بل وسائر الأفراد يتغيرون، فليس كل من يكون ثقةً في أول عهده يبقى كما هو حتى نهايته، وليس كل من يكون غير ثقة في أول عهده يبقى كذلك حتى نهايته، والأمر مثله في الجماعات تتغير بتغير قاداتها وتغير الظروف التي تحيط بها، أو تُظهِر اليوم ما كانت تضمره بالأمس؛ وكذلك لا يمتنع أن تعلم عيبًا غيرَ ظاهر عند فرد أو جماعة، فيمنعك عدم ظهوره واشتهاره من أن تكون أنت المُدلي به، وترجِّح فضل النصح سِرَّا، حتى إذا ظهر وانجلى لم يعد لك بُدٌ من التحذير منه علنًا، وهذا كذلك كائن في الجماعات وفي الأفراد، فليس سترك عيبًا في أحد اليوم مانع لك من التحذير من عيبه هذا غدًا حين يصبح ضرر عدم التحذير أولى بالاتقاء من جلب منفعة الستر، فَيُحمل صمت هيئة كبار العلماء عن التحذير من الإخوان زمنًا طويلاً على أحد هذه المحامل؛ كما أنَّ الإخوان اليوم ليسوا هم من كانوا قبل ثلاثين سنة ولا الأوضاع المحيطة هي الأوضاع، فقد استجدَّ الكثير من الأحداث وتغير كثيرٌ من الناس.

العنف والصدام

يأتي السؤال الثاني وهو: ما مستند وصف جماعة الإخوان بالإرهاب، مع أن الظاهر لكثيرين من المتابعين أنها هي الجماعة التي وقع عليها الإرهاب؟

وقبل الجواب أقول: أنا على يقين أن الهيئة تعني به العنف المحرَّم شَرْعًا، وعلى ذلك فجماعة الإخوان رائدة في ذلك، وهو منهج لها منذ مؤسسها حسن البنَّا رحمه الله، ومن أدلة ذلك قوله في افتتاحية جريدتهم في كلمة طويلة يؤكد فيها على أنَّ العنف والصدام هو المرحلة الثانية التي انتقلوا إليها في التعامل مع الحكام والوزراء والمسؤولين يقول: «فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة والروغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة فنحن حربٌ على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين».

ولاشكَّ أنَّ ما دعا إليه في هذه الكلمة خروج محرم على الحاكم، وإلقاء بالأَتْبَاع إلى التهلكة، وفيه بُعْد عن الاستفادة من تجارب الصِّدام مع الحكام طيلة التاريخ الإسلامي من عهد بني أميَّة حتى عصر البنا، ومع أنَّ الفشل كان نتيجة دعوته إلى الصدام مع الدولة، والتي ذهب هو أول ضحاياها.

وفي أول تجربة لحسن البنا للخروج بتنظيمه خارج مصر قام التنظيم في اليمن بقتل الإمام يحيى لِتَولِيَةِ إمامٍ جديد يميل إلى الإخوان، ولم يتَّبعوا الطرق الشرعية في الإصلاح، مع أنَّها أيسر بكثير من قتل شيخ جاوز الثمانين عامًا، وهي الجريمة التي لم تقم لليمن بعدها قائمة، وابتُلي إثرها بالثورات والنزاعات حتى يومنا هذا؛ إلا أنَّ الجماعة لم تستفد من خطأ إقرار العنف في حياة حسن البنا فاستمرت عليه، ورَعَت ما كانوا يُسَمُّونه «التنظيم الخاص» تحت أغطية الكشافة والجوالة والنشاط الرياضي، وحقيقةُ ما يفعلونه: إنشاء جيشٍ داخل الدولة، يقول أحمد عادل كمال وهو أحد قادتهم القدامى ومؤرخيهم، وله كتاب النقط فوق الحروف، يتحدث عن النظام الخاص فيقول: «ولنعد إلى ذكر الجوالة، فمازلت أذكر تلك الطوابير الاستعراضية الضخمة التي كان يتراوح عدد المشتركين فيها بين الستة آلاف والعشرة آلاف جوال، كنا ننتهز الفرص لإجراء هذه الاستعراضات في الشوارع، لم تكن تلك المناسبات مقصودة لذاتها دائمًا، وإنما كانت ذريعة، وكان بيت القصيد إظهار قوة الجماعة، ومظهرها العسكري، ولفت النظر إلى أن الجوالة بالذات هي القوة العسكرية للجماعة، وفي هذا صرف للنظر عن التشكيل الجديد الذي أعد سرًا وفي كتمان تام بعيدًا عن مظهريات الجماعة وهو «النظام الخاص» وسوف نعرض له إن شاء الله».

واستمرت فكرة النظام الخاص حتى بعد الثورة على الملكيَّة التي كان الإخوان من أهم المحرضين عليها، لكنهم لم يُعطوا مكاناً في نظام الحكم، وفي هذه المرحلة خَطَّطَ النظام الخاص لأعمال اغتيالات وتفجيرات وحرائق وحرب أهليَّة في مصر، لكن كل ذلك لم يحدث بسبب اكتشاف النظام المصري لهم، فأُخذوا ونُكِّل بهم وحوربت الدعوة الإسلامية في مصر على إثر ذلك بسببهم، وقد سجل ذلك بدقة آخر رئيس لتنظيمهم الخاص: علي عشماوي، في كتابه: «التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين»، وهو رجل اتهموه هم بالكذب في بداية الأمر؛ لكن كثيرًا من الوقائع التي أثبتها في كتابه شهدت بها مذكرات كُتَّاب آخرين إما بأعيانها أو بجنسها، كما في كتاب عباس السيسي: «في قافلة الإخوان المسلمين».

نص بيان هيئة كبار العلماء

أصدرت هيئة كبار العلماء، بيانًا بشان جماعة الإخوان المسلمين وشددت على أنها جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.. أما بعد:

فإن الله تعالى أمر بالاجتماع على الحق ونهى عن التفرق والاختلاف قال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)، وأمر العباد باتباع الصراط المستقيم، ونهاهم عن السبل التي تصرف عن الحق، فقال سبحانه: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).

وإنما يكون اتباع صراط الله المستقيم بالاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنّ مِن السبل التي نهى الله تعالى عن اتباعها المذاهب والنحل المنحرفة عن الحق، فقد ثبت من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال: «هذا سبيل الله مستقيمًا»،

ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلاّ عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: «وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» رواه الإمام أحمد.

قال الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتقرق بكم عن سبيله) وقوله: (أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله.

والاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو سبيل إرضاء الله وأساس اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والوقاية من الشرور والفتن، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).

فعُلم من هذا: أن كل ما يؤثر على وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بث شبه وأفكار، أو تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم، أو غير ذلك، فهو محرم بدلالة الكتاب والسنة.

وفي طليعة هذه الجماعات التي نحذر منها جماعة الإخوان المسلمين، فهي جماعة منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية.

ومنذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئاً بالشرور والفتن، ومن رَحِمها خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم.

ومما تقدم يتضح أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب.

فعلى الجميع الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها.

والله نسأل أن يحفظنا جميعًا من كل شر وفتنة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رئيس وأعضاء هيئة كبار العلماء

عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ

د. عبدالله بن محمد آل الشيخ - د. صالح بن فوزان الفوزان - صالح بن محمد اللحيدان

د. صالح بن عبدالله بن حميد عبدالله بن سليمان المنيع - د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي

د. سعد بن ناصر الشثري - د. عبدالله بن محمد المطلق - د. محمد بن عبدالكريم العيسى

محمد بن حسن آل الشيخ - سعود بن عبدالله المعجب - عبدالرحمن بن عبدالعزيز الكلية

د. محمد بن محمد المختار - د. يعقوب بن عبدالوهاب الباحسين - د. يوسف بن محمد بن سعيد

د. غالب بن محمد حامظي - د. عبدالسلام بن عبدالله السليمان - د. جبريل بن محمد البصيلي

د. بندر بن عبدالعزيز بليلة - د. سامي بن محمد الصقير».

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

الحلقة الرابعة

الحلقة الخامسة