تم مؤخرا كف يد قضاة على خلفية قيامهم بتسبيب قضائي غير مقبول، فيما عرف بقضية تحريم الحلاقة والمعسل. ومع أن هذه الخطوة تعد نموذجا لقوة المحاسبة لدى التفتيش القضائي إلا أنها تعيد إلى الواجهة مسألة مهمة هي ارتباط وزارة العدل بالمجلس الأعلى للقضاء، وهو ارتباط إداري يؤدي إلى تداخل العمل، وحدوث عدد من الإشكاليات.

إن هذا الارتباط يذكرنا بما كان عليه ارتباط النيابة العامة (هيئة التحقيق والادعاء العام) سابقا بوزارة الداخلية، وهو الوضع الذي أفرز عددا من الإشكالات، استدعت صدور مرسوم ملكي يقضي بفصل النيابة العامة واستقلاليتها عن وزير الداخلية.

وبالعودة للقضاء نجد عددا من الحالات يجنح فيها أصحاب الفضيلة القضاة لرد الدعاوى المرفوعة إليهم لأسباب فقهية، إذا استقر لديهم أن محل النزاع يشوبه إشكال التحريم، تماما كما حدث في قضية الحلاقة الأخيرة، وهي ليست القضية الوحيدة فهناك سوابق عدة لا مجال لطرحها هنا.

الإشكالية هنا هي أنه في ظل عدم التقنين بشكل عام وفي العقوبات في الجرائم التعزيرية المرسلة، يجتهد القاضي أحيانا فيتحيز للفتوى برأي شخصي وقد يفقد الحياد، والمسؤولية في مثل هذا الموقف تتقاسمها في رأيي المؤسسات التعليمية التي يتخرج فيها القضاة وأشير هنا إلى كليات الشريعة والقانون والمعهد العالي للقضاء.

كما أن اجتهاد القضاة برأي فقهي يؤدي أحيانا إلى مخالفة مقاصد شرعية واضحة، ومنها أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة فتكون السياسة الشرعية مرتبطة بمصلحة الجماعة.

إن المسائل القضائية لا ينبغي أن تنظر من زاوية الفتوى بل من زاوية القضاء المحكوم بقوانين الدولة، ومصالحها الاجتماعية والاقتصادية المقررة سلفا. كما أن الأحكام الفقهية في معظمها واسعة ومحل سجالات واجتهادات منذ قرون، بل إن الفقهاء الأوائل كانوا يجتهدون لعصورهم وأزمنتهم، وقد يغير الفقيه فتواه عند انتقاله من بلد إلى آخر بما يناسب المجتمع الجديد ومصالحه، وهذا دون شك أحد مظاهر قوة الإسلام وتأثيره.

ونعلم أن وزارة العدل جهاز تنفيذي فكيف يرتبط بجهاز قضائي، هو المجلس الأعلى للقضاء، والأصل أن القضاء سلطة مستقلة، فكيف يتمكن الوزير الواحد وهو يقود الجهازين من فصل احتياجات وزارة العدل، ومصالحها عن احتياجات مجلس القضاء الأعلى ومصالحه؟

كما أن من السلبيات الواضحة لهذا الدمج كثرة التعاميم المتلاحقة، والتي قد ينسخ بعضها بعضا دون تعديل نظامي على نظام قائم، وغير ذلك من التراكمات والمشتتات التي يعايشها العاملون في هذه القطاعات بشكل مستمر.

ختاما نحن في مرحلة متقدمة بالفعل وقد تجاوزنا الكثير من العقبات وأصبح نظامنا العدلي مهيأ لخطوات تعد ضرورية، ومن أهمها الفصل بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، وتفعيل التقنين على أعلى مستوياته واعتبار هذه الخطوات الطموحة أولويات لتحقيق مستهدفات الرؤية الوطنية 2030.