في الوقت الذي كانت فيه كوبا تحت الاحتلال الإسباني، سعى الناشر الأمريكي وليام راندولف هيرست، صاحب أعظم إمبراطورية صحفية في العالم، والتي ضمت 28 صحيفة كبرى، بكل ما أوتي من شهرة وسلطة ومال، ولأسباب ودوافع شخصية وسياسية، على اندلاع حرب بين أمريكا وإسبانيا حول كوبا، نشرت إحدى صحفه الرئيسة «نيويورك جورنال» قصصا مزوّرة وشوفينية، تحت عناوين مثيرة وفظيعة ومحرّفة، مثل «إطعام الأسرى لأسماك القرش» و «أسوأ إهانة للولايات المتحدة الأمريكية»، لتأليب الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية، ضد الحكومة الإسبانية، والعمل على شنّ حرب ضدها.

بعثت الصحيفة عددا من المراسلين في مهمات مختلفة، ومغامرات طائشة للعثور على أي دليل يثبت وجود أعمال وحشية، ارتكبها الجنود الإسبان ضد الشعب الكوبي.

من بين هؤلاء المراسلين رسام يدعى فريدريك ريمنغتون، وحين لم يجد شيئا وكان كل شيء هادئا، ولا أثر لسفك الدماء، أرسل برقية إلى هيرست قال فيها: «لن تندلع الحرب أرغب في العودة»، ولكن هيرست رد عليه بالقول: «أرجو أن تبقى، زودني بالصور أزودك بالحرب»، وبالفعل استخدم فريدريك مخيلته ونشر سلسة من القصص المحرّفة والملفّقة.

في عام 1898 حدث انفجار غرقت على أثره سفينة يو إس إس مين الأمريكية، في ميناء هافانا في كوبا، وقُتل 245 رجلا وضابطان من أصل 355، منذ اللحظة الأولى أصرّ الأمريكان على أن الانفجار خارجي ومتعمد.

أشعلت الصحافة الصفراء لوليام هيرست حمّى الحرب، ودون انتظار نتائج أي تحقيق، بنشر الخبر في اليوم التالي تحت عنوان «انشطار السفينة الحربية مين إلى نصفين بسبب عبوة متفجرات سرية وضعها العدو».

ونشرت سلسلة من الاتهامات والروايات الزائفة، التي جعلت أمر الحرب لا مفر منه.

علما بأن خبراء التحقيقات بعد ذلك، اتفقوا على أن الانفجار كان عرضياً وليس بسبب لغم.

تستخدم الدول الكبرى وسائل الإعلام، للضغط على الدول الناشئة، التي استعادت طريقها للتقدم والنمو، وسعت للخروج من عباءة تلك الدول.

عندما تلاحظ تركيز بعض الصحف العالمية الكبرى، على مواضيع محددة تتعلق ببلدك وتنال منه، وتفتعل القصص والروايات الزائفة، أو تضخم بعض الأحداث، فعليك أن تبحث عن الجانب الآخر من القصة، أن تكون متيقظا بفكرك وخط الدفاع الأول والأخير، وتذكر أن الوطن بكل مكوناته عقيدة يجب الإيمان بها، وفطرة جُبل الإنسان على حبها، الوطن هو الهوية، جزء من ذكريات الناس، وتقاس عظمة الأوطان بعظمة الأحداث التي حصلت فيه، الوطن باق ونحن زائلون.