كشفت دراسة علمية حديثة في أمراض القلب الوراثية بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض عن وجود أمراض وراثية محددة متجذرة في المجتمع السعودي فترات طويلة بسبب انغلاق بعض الأسر على نفسها، واقتصار الزواج على الأقارب لأجيال متعاقبة. كما أظهرت الدراسة، التي أجريت على 205 عائلات سعودية يعاني بعض أطفالها اعتلالات في القلب، إصابة 54% ممن شملتهم الدراسة باعتلالات قلبية وراثية مختلفة ومتعددة.

وتوصلت الدراسة إلى الكشف عن 7 مورثات جديدة لم يسبق أن وصُف ارتباطها بأمراض القلب في دراسة علمية منشورة من قبل، بينما رجح الفريق العلمي أن تكون هذه المورثات أسبابا لاعتلالات قلبية، من أبرزها ضعف عضلة القلب، بيد أن الفريق العلمي شدد على الحاجة إلى إجراء دراسات أخرى إثر ظهور هذه النتيجة الجديدة، للتحقق من الارتباط السببي العلمي بدقة.

وأوضح استشاري الأمراض الوراثية الباحث الرئيس، الدكتور زهير الحصنان، أن العائلات السعودية التي خضعت للدراسة جرى بحث حالاتهم الصحية عبر طريقتين: الأولى بمراجعة تاريخ الأسرة الوراثي، والثانية باستخدام الفحص الوراثي الشامل من خلال فحص كل المورثات المعروفة لدى الإنسان، وعددها 20 ألف مورثة تقريبا، عبر الطريقة المعروفة بفحص «إكسوم»، وأجري هذا الفحص على 143 طفلا لتلك العائلات، مؤكدا أن هذا يُعد أعلى عدد من المرضى أجري عليه هذا النوع من الفحص بهذه الطريقة المتطورة لأمراض القلب لدى الأطفال عالميا، ومبينا أنها الطريقة الأفضل لاكتشاف الأسباب الوراثية لاعتلالات عضلة القلب لدى الأطفال.

وأوضح الدكتور الحصنان أن أهمية هذه الدراسة، التي استمرت على مدى عدة أعوام، ونشرت في إحدى مجلات الجمعية الأمريكية للقلب (Circulation: Genomics & Precision Medicine)، ترجع لأنها تضع خارطة طريق، لمعرفة الأسباب الوراثية التي تقف خلف كثير من الاعتلالات القلبية لدى الأطفال في المجتمع السعودي، والتي كان من أكثرها شيوعا الأمراض الوراثية الاستقلابية المتعددة، مما يُمكّن تلك العائلات تحديدا من الاستفادة من المشورة الوراثية المبنية على حقائق علمية، واتباع الأساليب الوقائية المناسبة لكل حالة، ومن بينها فحص الجنين في أثناء فترة الحمل، وفحص الأجنة قبل الانغراس باستخدام التلقيح الصناعي، لاختيار الأجنة السليمة، حتى تتمكن الأسرة من تفادي تكرار المرض في أطفال آخرين.

كما نوه الحصنان بأن من أهم أسباب نجاح هذا المشروع البحثي هو التعاون المثمر من قبل المراكز الطبية المتعددة التي شاركت في الدراسة على مستوى المملكة، وعلى الأخص مركز الأمير سلطان للقلب بالقصيم، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، التي قدمت المنحة البحثية للدراسة، معربا عن شكره إدارة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، للدعم الذي تقدمه لبرنامج أمراض القلب الوراثية الذي شهد تعاونا بين عدة قطاعات، من بينها قسم الطب الوراثي ومركز القلب ومركز الأبحاث، لإنجاز هذه الدراسة غير المسبوقة.