أعاد الذئب الصراعات بين بني البشر، وتسبب في انقسامات ثقاقية، إذ ترى فئة أن مقولة «خلك ذيب»، و«ذيبان»، تحمل ثقافة سلبية تساعد على خلق العداوات والأنانية، وتحمل معاني مغلوطة، وتشجع على التسلط، والممارسات الخاطئة، فيما يرى فريق آخر، أن مثل هذه المقولات دافع كبير للتحفيز، لرسم الطريق للمحفز بشكل إيجابي، وتعزيز وتنمية قدراته، وتحفيزه بشكل غير مباشر، للاتصاف بالشجاعة، والكرم، والوفاء، وسرد القصص لصفات الذئب الحميدة.

بطل تراثي

اقترن الذئب بالإنسان منذ القدم، إذ تم تنصيبه بطلا في تراث الشعوب، وأصبح ثقافة سائدة لدى المجتمع، تفشت بشكل كبير، وضرب به الأمثال، وأصبحت مقولة «خلك ذيب» تقدم كتوجيه من الآباء للأبناء، أو لمديري الجهات والمؤسسات لتحفيز موظفيهم، وغيرهم، تشجيعا لهم، ورمزًا سائدًا للتحلي بصفات مميزة يحملها هذا الحيوان كالوفاء، والشجاعة.

ويندب الذئب حظه، لاختياره متفردًا بصراعات البشر، رغم براءته منها، وإبقائه من فصيلة الحيوانات بعيدًا عن الجدال، وتحليل شخصيته، واكتفائه بالعيش في الجبال والغابات، بعيدًا عن محاولات قتله برصاص الإنسان، والتي نتج عنه ندرته في الحياة.

قبول ورفض

يعد الذئب الحيوان الوحيد الذي شكل حضوره تباهيا به، دون سائر الحيوانات لدى الإنسان، وعزز من الصراعات بين قبوله ورفضه كمثل يحتذى به، وتعاطف بنو البشر مع فصيلة الذئب منذ براءته من دم يوسف، بعد مكيدة إخوته، ووجد تعاطفًا كبيرًا، وأطلق عليه العرب أسماء وكنى عديدة، وتغنوا به نثرًا وشعرًا، ويأتي اهتمامهم به لتأثرهم به، وتأثيره فيهم على مر العصور، فمن أسمائه: السرحان، نهشل، أغبر، أجرد، الخاطف، وذؤالة، أطلس، أوس، السيد، والعملس، وفي تجارب سلوكية حديثة بجامعة بودابست أكدت أن الذئب لا يخضع، بل يتبع ويتواصل كثيرًا مع من رباه، وصار مضرب الأمثال في المبالغة في حذره.

قصائد ومدائح

أكبر العرب في الذئب صفات الحذر، والصبر، وجعلوا منه رمزا للرجولة، والجسارة، والشرف، واستخدامه في الدعاء على العدو بالقول: «رماه الله بداء الذئب»، أي بالجوع أو الهلاك، باعتبار أن الذئب لا يصيبه علل إلا الموت، وتصدر الذئب حضوره بالقصص الشعبية، والشعر القديم والحديث، وفي قصائد أنسي الحاج، وأدونيس، ومحمود درويش، وقاسم حداد، ومحمد عمران، وسيف الرحبي وغيرهم، وصدر دواويين باسمه، ومن القصائد المشهورة ذئب المرقش الأكبر، ومشهد الذئب في لامية كعب بن زهير، وذئب البحتري، وذئب المتنبي، وذئب أبوفراس الحمداني، وقصص الأصمعي والجاحظ، ويقول محمود درويش«هم أوقعوني بالجب، واتهموا الذئب، والذئب أرحم من إخوتي»، كناية عن صفاته الحميدة التي يتمتع به الذئب.

صداقة أزلية

أعاد المسلسل الكرتوني «ماوكلي»، علاقة الذئب بالإنسان، وصداقته الأزلية منذ القدم، واستمدت فكرته من كتاب حي بن يقظان لابن طفيل، وأفرز المسلسل الكرتوني قصصًا على أرض الواقع، سردها العديد من المؤرخين منها، قصة الطفل الهندي دينا سانيشار الذي تم تربيته على يد الحيوانات، واتباعه مجموعة من الذئاب وتبنيها له في عام 1872، وعثور الصيادين عليه، وإحضاره لدار الأيتام، وفشلهم في نقله للمدينة، واضطروا إلى قتل رفيقه الذئب، وأصبح الطفل الهندي يصدر أصواتًا حيوانية، ويرفض تناول الطعام المطبوخ، وعانى من تعلم المشي، مستخدمًا أطرافه الأربعة للتنقل، ورفضه الاندماج في المجتمع البشري، إلا أنه أتقن عادة إنسانية وحيدة وتعيسة من خلال الإدمان على التدخين، ووفاته متأثرًا بها، وقصة الإسباني ماركوس الذي تربى بين الذئاب مدة 12 عامًا.

ويتناقل كثيرون حادثة فيحاء من عائلة الخزيم من سكان الشماسية، وقصتهم مع ذئب أثناء عملها في قطع شجر السدر، فعند إيقادها للنار لتخبز عجينة، اقترب منها ذئب رافعًا يده باتجاهها، فعرفت أن بيده شوكة، فأمسكت به وأخرجت منه الشوكة، وأكلت خبزتها، وأطعمته معها، وعند حملها لمحصولها من ورق السدر، هاجمها رجلان من قطاع الطرق، وفاجأهما الذئب وأصابهما بجروح، دفاعًا عنها، وأنقذها منهم، وأنشدت به قصيدة «يا مرحبا بك مرات ياذيب».

رمز للوفاء

يقول المخضرم محمد باجعفر لـ«الوطن»، إن الذئب رمز للوفاء، والبر بوالديه، مشيرًا إلى أنه إذا كبر يحرص عليهما، ويرعاهما أكثر من الحيوانات الأخرى، وهو شديد الحرص من خلال نومه بعين مفتوحة، مضيفًا إلى أن ارتباط صفات الذئب بالإنسان، تأخذ الطابع الإيجابي، لتعزيزها بالإنسان، وتحفيزه، بأن يكون إيجابيًا ومتفردًا، بعيدًا عن التسلط والأنانية.

ارتباط قديم

أوضحت المهتمة بالأدب والتراث منى أحمد لـ«الوطن»، أن الذئب ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالإنسان منذ القدم، من خلال براءته من دم يوسف عليه السلام، وقصص عيش الإنسان مع فصيلة الذئاب بسلام آمن، والتي روتها القصص والحكايات العربية والأجنبية، وما زالت تروى إلى وقتنا الحاضر، مبينة أن للذئب صفات جميلة، وأخرى وحشية، وأن عبارة «خلك ذيب»، تأتي للتحفيز، والتشجيع، والوفاء، وتنمي التفوق، والاستقلالية، والتحلي بأخلاق سامية حميدة.

معادلة اجتماعية

أكد المستشار الأسري عقيل سويدي لـ«الوطن»، أن عبارة «خليك ذيب»، والاستشهاد بالذئب هي ثقافة فكر، ومعادلة اجتماعية تدخل تحت نظام النصيحة والتوجيه، مشيرًا إلى أن التربية الحسنة لا تصنع من الوهم، وأساسها الدين، والاحترام، والأمانة، والإيثار، ونحن بحاجة أن نربي جيلًا هدفه الإنتاج والابتكار، مضيفًا أن المقولة «خليك ذيب»، تدعو إلى التنمر، وبكل أسف تطالب الأسرة بأن يكون أبناؤها مثل الذيب، أو يتصفون بصفاته، خاصة أن من أشهر صفاته المكر والخديعة، مطالبًا بإلغاء ثقافة «خليك ذيب»، من قاموس التربية، لما تحمله من سلبيات ثقافة التعدي على الآخرين، وأن تكون التربية مبنية على شراكة حقيقية، وأهداف واضحة.

الذئب

اقترن بالإنسان منذ القدم

ينشد البراءة من تصرفات البشر ضده

يتفنن العرب في تمجيده

يتصدر القصص والقصائد والأمثال

مسلسل كرتوني أعاد قصص حياة الإنسان مع الذئب

3 روايات تتصدر واقع تبني الذئب للإنسان وإنقاذه

مستشار أسري يطالب بإلغاء ثقافة خلك ذيب

صفات الذئب الحميدة مضرب مثل للأطفال والشباب وكبار السن

الذئب مصدر للتحفيز والشجاعة والرعاية

التصاق حميد بين البشر والذئب