ننعم هذه الأيام، بفضل من الله ومنته، بهذه الأجواء الشتوية الرائعة من أمطار وبرودة جو بعد صيف لاهب وجاف، وكطبيعة للنفس البشرية ولعلاقة طردية ما بين المناخ والمزاج، فإنها تُسعد بهذه الأجواء ويرتقي المزاج صعودا لأفضل حالاته، من هنا يُترجم الجميع لسلوكيات ظاهرة من الخروج للمُتنزهات البرية والبراري والقفار للبحث عن الماء والخضرة والبراد والمُتعة، وترى الجميع ما بين شاد للرحال، مُغادر وما بين قادم وعائد، وترى التخييم في كل مكان والتنزه في أوجه، ففي الليل صحراء مُنارة كمدينة صاخبة وفي النهار خيام هنا وهناك، يُمارس الجميع هواياته المُفضلة من امتطاء للكثبان الكثيفة وطرق للصحاري الواسعة بسباق «وتطعيس» والولوج في الأشعب والمغارات والتسلق والتزلج الكثباني أفراد وأسر وجماعات في ظل أمن وأمان وراحة بال وسعادة، لله الفضل والمنة حمدا ليس له نهاية وشكرا لا محدود ثم لقيادة هذا البلد العظيم وللقائمين على رعاية ومُتابعة مثل هذه المناشط الموسمية.

ما يُهمني في هذا المقال هو التركيز على السلوك الحضاري والأمن، والمقصود بالسلوك الحضاري هو الاستمتاع للقمة بكل شيء مع مُراعاة أنك لست الوحيد المُتصرف فيما حولك، يُشارك الجميع في ذلك ويتلخص الأمر في مُراعاة من حولك بسلوك قيمي هادف من حيث سلوك التعامل والنظافة والتعاطي مع البيئة كما يجب، فجعل شعارك دائما أن تترك المكان كما تُحب أن تراه عندما تأتي إليه، مثل هذا لا يُكلفك والله إلا جهد مُقل، القضية لا تتجاوز سوى «كيس» تجمع فيه كل شيء استهلكته أو باق مما فعلت ثم تضعه في مكانه الطبيعي، فعجبي ممن يجمع مُخلفاته وهو في عمق الصحراء عائدا بها الأدراج ليضعها في حاويات مُخصصة لها. يمتد الأمر ليشمل مراعاة من حولك، لك الحق في المُتعة ولكن في حدود ما يسمح به الحال، فعجبت من أولئك النفر من الشباب العزاب وهم يراعون من حولهم من عوائل بسلوك حضاري رائع، وعجبت من أسر وتجمعات وهم يُمارسون متعتهم وهوايتهم بما يعود عليهم بالتسلية والمرح والسرور دونما المساس بخصوصية وحقوق الآخرين، ازداد عجبي ممن امتطى لجام دبابه الصحراوي بعيدا عن أذية من حوله وعجبي يستمر لمن يُمارس هواية «التطعيس بوانيته» في الأماكن المُخصصة لها، العجب يصعد لمن أتي للتخييم بكافة احتياجه، فتراه لا يخترق خصوصيات من حوله بحثا عن قداحة نار أو وقود لمُحركه الكهربائي ولربما للبحث عن «نكس» بصل أو ملح طعام، عجبت ولي الحق في الإعجاب لمن لم يسترق السمع لمن حوله بحثا عن نصيحة يُسديها لهم لتنتهي النصيحة بخلاف وتعكير مزاج وعجبت لمن أتي بعائلته وهو مُستعد بكل ما من شأنه الحفاظ على حقوق العائلة، فلا تراه يدور هنا وهناك «ينعق» هنا عائلة ولا يستخدم «الدربيل» لتقريب الصور ومُراقبة من حوله لمُلاحقة الآخرين هنا وهناك، ويُعلن حالة الحرب بحجة العائلة، يستمر عجبي ليشمل كل سلوك حضاري يصدر في مثل هذه المناسبات.

يستمر مُسلسل الإعجاب، ليشمل مُراعاة السلوك الآمن، ويقصد بالسلوك الآمن ما من شأنه المُحافظة على النفس والآخرين والبيئة، فلقد عجبت ممن يمتطي لجام «دبابه الصحراوي» في المكان المُخصص له، مُتوشحا خوذة رأسه ولديه علم تام بطبوغرافية المكان الذي يُمارس فيه هوايته ودبابه الصحراوي لديه ترخيص رسمي للاستخدام وبحالة جيدة، وعجبت من عدم وجود مجموعة عمالة بقطيع من «دبابات صحراوية» مُهترئة وذات أصوات مُزعجة وأبخرة مُتصاعدة وزاد دهشتي من وجود مركبات «سيارات» مُصممة لذات الهدف «التطعيس» وفي أماكن مُحددة ومُخصصة «للتطعيس»، وعجبت لتوفر مُقومات السلامة ومُراعاة الإرشادات وأشد صور الإعجاب البعد عن بطون الأودية ومصاب الشعاب والبعد عن السيول ومجاري المياه وكذلك التزود بالوقود والمُستلزمات الأساسية وإخبار القنوات الرسمية وأخذ المُوافقات عند عبور الصحاري. تشمل دهشتي التعاطي مع النار، فهناك دراية تامة بخطورة أبخرة الفحم وتجنب الحريق والاختناق والتعرض لدرجات البرودة الشديدة وما تتركه من آثار صحية، وكذلك صحة الأطفال في المُخيمات البرية والمُحافظة عليهم من الضياع والغرق في الاستراحات المُخصصة، دهشتي تزيد في الالتزام بقواعد القيادة الآمنة، وإن كانت خارج نطاق المدن والعمران والنظام المروري المُتعارف عليه، واستخدام الصحاري والمُنتجعات البرية لتعليم القيادة، وما يتركه من حوادث مُفجعة في أماكن التجمعات البشرية.

السلوك الحضاري والسلوك الآمن وجهان لعملة واحدة وهي الاستجابة السلوكية السوية، كلا السلوكان «الحضاري والآمن» مُكتسب ومُتعلم، فليست سلوكيات أولية انعكاسية وإنما تأتي من خلال التعليم والتعلم. تتبعت شكل ومناهج التعليم فلم أر سوى مُحاولات مُتناثرة تستهدف السلوك الحضاري والآمن وسلوكيات الأمان والتعامل مع الآخر والبيئة والمناخ، هنا الحاجة ماسة لتضمين الجميع في السياق التعليمي. من ناحية أخرى فلا ضير من وجود دورات تدريبية وكُتيبات وحملات توعوية للسلوك الحضاري والآمن، ليشمل الأمر إصدار رخصة مهنية سلوكية لمثل هذا الهدف السامي.

هناك وللأسف الشديد من يعتقد أنه الوحيد في هذا العالم، ليتصرف بطريقة غير حضارية وسلوك غير مسؤول للتعاطي مع من حوله وهناك من يلحق الأذى البالغ بنفسه وبمن حوله، ليصل الأمر للوفاة والإعاقة بسبب إهمال سلوكيات السلامة والأمن والأمان. حمى الله الكل، وشتاء هانئ وآمن للجميع وأمطار خير وبركة بحول الله وأجواء سعيدة، لنقول الحياة جودة والجودة تُصنع، فلنصنع لنا جودة حياة بسلوك حضاري وآمن.