شهد التاريخ الإسلامي جانبا كبيرا من التشويه والتشكيك من قبل مفكرين أوروبيين، وتعمدا واضحا للحط من قيمة الشخصية العربية والمسلمة.

بداية، يقول القصاص الإسباني خوان غويتيسولو:

«الإسلام يحتل مركزا رئيسا في الساحة العقلية الإسبانية، وهذا الأمر يلفت انتباه أي باحث لأدبنا، فالمسلم دائما موضع خوف وحسد واعتداء وسب من الإسباني، وغذى على مدى عشرة قرون أساطير وخيالات، ودفع إلى تأليف الأناشيد والقصائد، وكان بطلا للقصص والروايات، وله آثاره بقوة كبيرة على خيالنا».

ويذكر في كتابه «أخبار المسلمين» أن عرض صورة المسلم في ثقافتنا يمكن أن يبدو لأول وهلة رغبة شريرة في إزعاج السامع أو القارئ بتقديم مجموعة غنية من الشتائم، وأفظع الأوصاف بذاءة وعنصرية، التي يمكن أن تملأ مجلدات كثيرة إذا تم تخصيصها لهذا الموضوع.

إن الحملة المعادية للإسلام بدأت أوﻻ بسبب ظروف الصراع ضد المسلم الإسباني، ثم بعد ذلك تم توجيهها منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى جيراننا في شمال أفريقيا. ويضيف:

إن تلك الصورة والآراء الغريبة والمؤسفة ليست فردية، بل إنها تبدو ظاهرة على الرغم من أمثال الموضوعية المصطنعة لكثير من المفكرين والمؤرخين، بما في ذلك بعض المتخصصين في الدراسات العربية، من ميننديث بلايو ودونوسو واورتيجا.

ويورد لنا قصة، صدرت في 1980، مبرهنة على أن هذا التوجه الشاذ ما زال قائما حتى يومنا هذا، ويحمله بعض المؤرخين والمفكرين الأسبان، إذ تحكى حادثة وقعت في مستشفى عسكري تابع لـ«فرانكو»، حيث يوجد بعض الجنود الذين يعالجون من جروحهم، ويوجد البعض يحتضر والبعض الآخر ما زال لا يستطيع الحركة، وتوصلوا إلى أن الرائحة الكريهة مصدرها سرير المسلم، فاقتربوا منه وكانت الرائحة تكاد تقلب الأمعاء، ولما أحس «المحمدى» بأن الجمع قادم إليه أمسك بقوة بأعلى السرير، فلما أزاح النصارى الملاءات رأوا جمجمة عدو بها أسنان ذهبية، احتفظ بها الخنزير «المحمدى» كغنيمة، وعندما تتحسن صحته سيستخرج منها الأسنان.

يا له من حقير، إنه لا يقوم بمثل هذه الفعلة إلا هذه النوعية الخسيسة من الناس.

ننتقل إلى كاتب آخر، وهو باحث بريطاني اسمه «ﻻرسكين تشيلدرز»، الذي ألف كتاب «الغرب والإسلام.. هتك الذاكرة والخصام»، استنتج فيه أن الإسلام تعرض في الوجدان الغربي لأكبر تشويه في التاريخ، حيث يقول:

«طيلة فترة تزيد على 1200 سنة ظل الإسلام يشوه من خلال معلومات وانطباعات أما منقوصة أو مكذوبة، حتى تحولت تلك الصورة المشوهة إلى مسلمات مستقرة فى الأعماق الغربية، وحاكمة علاقة الغرب بالإسلام حتى هذه اللحظة».

ويضيف: «في التاريخ الرسمي الغربي والتعليم العام والإعلام الغربيين، هناك تجاهل تام وصمت مطبق لتلك الحقيقة، ففي منتصف القرن التاسع عشر أفردت دائرة المعارف البريطانية للراهبة البريطانية «هورسفيثا» ضعف المساحة التي خصصتها للخليفة الأندلسي عبد الرحمن الثالث.

كما أن تاريخ العصور الوسطى لـ«كامبريدج»، الذي يضم 5000 صفحة، لم يخصص للحضارة العربية في إسبانيا سوى 50 صفحة».

وخصص المؤلف الأمريكي «جيمس هارفي روبنسون»، صاحب الكتاب الدراسي النمطي لعدة عقود، الذي يتناول العصور الوسطى والحديثة، 10 صفحات للإسلام فيما يزيد على 800 صفحة. ويبين الكاتب أن هذا التجاهل وذلك الغبن تم عن قصد وسوء نية، ويمثل جزءا من سياسة مرسومة وليس مصادفة محضة.

ويوضح أن القادة الغربيين الدينيين والسياسيين، على حد سواء، أرادوا أن يغيبوا عن الوعي العام أي شيء إيجابي حول الإسلام، ولهذا تمت تربية أجيال بعد أجيال على تناسي دوره، وجرى تطويعهم عن طريق وسائل الإعلام، للاقتناع بأنه لم يأت من عالم الإسلام والعرب شيء له قيمة.

وأخيرا، نأتي لنظرة اﻻستعلاء التي وضعتها أوروبا لنفسها، وصاحبها ميل حتمي لوصف الثقافات الأخرى بأنها أقل، والتي بدأت منذ عصر النهضة وما زالت حتى يومنا هذا، من خلال تفسير انتقائي للتاريخ، حيث تم حذف دور الشرق من الفكر الأوروبي، واعتبار الأساطير الإغريقية والرومانية المصدر الأصلي الوحيد، وبتعبير آخر أن النشأة الأسطورية للفكر الأوروبي تنفي إسهام الشرق في حفظ وإحياء الفلسفة الإغريقية، والذي يمكن أن يقف في وجه هذه النظرة اﻻستعلائية، خاصة ضد الحضارة الإسلامية وثقافتها الأصيلة، هو الشواهد العمرانية في إسبانيا التي ما زالت قائمة حتى الآن في قرطبة وغرناطة.