خُلق الإنسان في أحسن تقويم، هكذا خلق الله الإنسان، حتى يستطيع بناء الأوطان، فأي سوف يهدد بناء المجتمعات؟!. على الرغم من هذا يشيخ جينٌ أو يثور فيصاب الإنسان ويتضرر، وإن زاد جين أو نقص أصبح متلازمة، وإن حمل معه مرضا متنحيا مع الوقت ظهر.

لا شىء يحمي الإنسان سوى حفظ الله، ثم العلم الذي علمه الله للإنسان. ونبي الرحمة - عليه الصلاة والسلام - أوصى أمته بتخير نطفهم، خوفا من الأمراض الوراثية، وقال عمر - رضي الله عنه: «غربوا النكاح»، حتى لا يصبح جين المرض المتنحي جينا سائدا، فيُمرض صاحبه.

هل تكثر لدينا التشوهات الخلقية في السعودية؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تكثر؟. نعم للأسف ترتفع لدينا نسبة حدوث التشوهات الخلقية، بالإضافة إلى الأمراض الوراثية.

هناك دراسات تمت في أوقات متباينة، وفي أكثر من مركز طبي، وهناك ورقة علمية سعودية نُشرت في إحدى المجلات البريطانية أواخر 2019، أظهرت أن هناك قرابة 412 حالة تشوه من بين 10000 حالة ولادة، وهي أعلى من النسبة العالمية، وكانت أعلاها هي التشوهات القلبية، تليها تشوهات الجهاز البولي، بعدها تشوهات الصبغات الوراثية، ثم تشوهات الجهاز أو الأنبوب العصبي.

وكانت نسبة زواج الأقارب جدا عالية، حيث بلغت قرابة 54% من الحالات المصابة، وقرابة 7% لأمهات مصابات بمرض السكر. أما بالنسبة لتشوهات الأنبوب العصبي، فإن نقص حمض «الفوليك» لدى الأمهات هو المسؤول الأول عنها.

ومع تزايد أعداد الأطفال المصابين بتشوهات الأنبوب العصبي، أصبح لديّ فضول كبير لمعرفة إذا ما كانت فعلا مؤسسة الصوامع والغلال تضيف حمض «الفوليك» إلى الدقيق، ليتناوله الناس في الخبز والمخبوزات!، لأن هذا التزايد لا يفسره سوى أن المؤسسة لا تضيف الحمض للدقيق أو أن الناس لا تأكل الخبز!!. ما الذي يجدر بنا فعله، للتقليل من حدوث التشوهات الخلقية، والحد من الأمراض الوراثية في المجتمع، لأن هذا مهم من أجل سلامة المجتمع وكفاءة أفراده، والتقليل من تبعات وجود هذه الأمراض على العائلة، وبالتالي على المجتمع.

هناك برامج وطنية رائدة، للحد من الإعاقة، وذلك بالتشخيص المبكر مثل فحص القلب المبكر لحديثي الولادة، وفحص السمع، وفحص الأمراض الاستقلابية ووظائف الغدة الدرقية، وهذا التشخيص لمنع المضاعفات المترتبة على تأخير تشخيص الأمراض، وما يتبعها من حدوث إعاقات أو وفيات - لا قدر الله، ولكن الأفضل هو منع حدوث هذه الأمراض من الأساس، فهل هذا ممكن أو مجرد حلم عابر لا يمكن تحقيقه؟!!.

بما أننا مجتمع تسوده عادات وتقاليد القبيلة، فيكثر لدينا زواج الأقارب الذى يبلغ 60 %، لذلك كان فحص ما قبل الزواج، ولكن هل بالفعل فحص ما قبل الزواج يشمل كل الأمراض الوراثية الشائعة في المجتمع؟ وهل فحص ما قبل الزواج في التوقيت المناسب؟. أعني هل يجب أن يتم بعد الخطبة وقبل عقد القران إم يكون مجرد «تحصيل حاصل»، للحصول على الموافقة على عقد القران، بغض النظر عن نتائج العروسين؟، فأكثر المتقدمين لفحص ما قبل الزواج يتم زواجهم حتى وإن كان العروسان يحملان بعض الأمراض الوراثية!. فما المشكلة ما دام الكل بخير، الشابين وآبائهما وأفراد القبيلة!، ولكن ما لا يدركه الآخرون أن التقاء الجينات المتنحية يُظهر المرض ويجعله سائدا مع الوقت، وسيتحمل الجميع تبعات ذلك. أرى من المجدي ألا يتم ربط فحص الأمراض الوراثية بعقد القران، بل ممكن ربطه باستخراج أي وثيقة رسمية غيرها مثل الهوية الوطنية، حيث يتم فحص استقصائي لكل الأمراض الوراثية الشائعة لدينا مثل الأمراض الاستقلابية وتشوهات الكلى، بالإضافة إلى أمراض الدم الوراثية، على أن يتم فحص الأمراض المعدية ما قبل الزواج، لأن الأمراض المعدية ممكن الإصابة بها في أي وقت، بينما خريطتك الجينية لا تتغير، التى هي عبارة عن مجموع ما تحمله وما ستورثه لأولادك من جينات، ولأنه من الصعب أن تفرق نتيجة مختبر بين قلبين أدام الله بينهما.

يجب أن تقترن الموافقة على الخطبة منذ البداية بالإطلاع على فحوصات الشابين، يعني التقصي عن الخاطب والمخطوبة، ويتضمن السؤال عن سجله الطبي وخارطته الجينية أيضا.

ولأننا لا نملك أن نمنع الناس من الزواج بمن يحبون، علينا أن نضع أمام أعينهم حقيقة كل ما يحملون من أمراض قبل أن يقعوا في الحب والأحلام الوردية.