كنت ذات يوم في إحدي المحاضرات في جامعة ميزوري في الولايات المتحدة الأمريكية، و كان البروفيسور ديفيد كامبل يتحدث عن أهمية القراءة السياسية لقادة دول العالم، وكيف أن هنالك دولا استطاعت أن تنهض بشعوبها من جهة، وتجنبها كوارث قد تحدث لها من جهة أخرى، فتبادر إلى ذهني تساؤل ما إن فرغ البروفيسور من محاضرته:

«برأيكم ما هي أبرز صفة تميز القائد السياسي المحنك ؟ أجابني: أبرز صفة هي حدسه بالمشاكل التي قد تحدث لبلاده و مواجهتها قبل أن تصل إلى أرضه» .

حينها ارتفع صدري عاليا إلى سقف القاعة اعتزازا بانتمائي للمملكة العربية السعودية، وقد استشعر البروفيسور بهجتي حينما رآني مبتسما، سائلا إياي هل فهمت ما أقصده ؟ فأجبته:

فهمته كثيراً، وما يؤكد رأيك العلمي وجود قيادة في المملكة العربية السعودية، تمثل الذكاء طبقا لتفسيركم للذكاء السياسي، وأردفت حديثي مستشهدا بثلاث نقاط قام بها الأمير محمد بن سلمان:

أولى تلك النقاط كانت حديث سموه في أحد اللقاءات، بأننا كسعوديين لن ننتظر حتى تصبح المعركة لدينا في المملكة العربية السعودية، بل سنحاول نقلها لداخل إيران.

مثل هذا القائد التمس من خلال حدسه السياسي خطورة المشروع الإيراني، التي تود نقله داخل المملكة، ولكن ذكاء سموه جعله يتنبأ بهذا الخطر قبل أن يحدث، بل بدأ بالعمل لنقل خطورة المشروع إلى الداخل الإيراني بدل أن نكتوي به نحن كشعب في المملكة.

ثاني تلك النقاط هي تنوع الاقتصاد بدل الاعتماد فقط على البترول، حيث إن مثل هذه الخطوة تشكل ذكاء عاليا جدا لتلافي معضلة اقتصادية كبرى للشعب السعودي، إذا لا قدر الله واجهت أسواق النفط أي ضرر، وهذا فعلا ما حصل مع جائحة كورونا، فلولا أن عملت قيادة المملكة على تنوع الدخل، لكان الشعب السعودي واجه مشكلة حقيقية، بعد تكدس البترول في الناقلات في ظل توقف حركة الحياة حول العالم.

ثالثة تلك النقاط، هي مشروع مدينة نيوم، الذي سيكون محط أنظار العالم، وإحدي ركائزه باعتمادها على الذكاء الاصطناعي في عملها من جهة، ومن حيث موقعها الجغرافي الذي يشكل محطة لقاء بين قارات العالم الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا من جهة أخرى.

فمثل هذا المشروع سيستقطب العقول المنتجة حول العالم ويدعوها للهجرة إلي نيوم، بعد توفير البيئة الخصبة والحاضنة لتلك العقول. التفت إليّ حينها البروفيسور أمام ما يقارب ٢٠٠ طالب في القاعة، قائلا لي أوافقك الرأي، و سأكون من أوائل الزائرين لتلك المدينة بعد افتتاحها.