نعيش في عالم متطور ومتغير، وبتسارع مُفرح ومُخيف في الوقت نفسه، وبلادنا ليست بمنأى عن هذه التغيرات والتطورات، بل إنها تضع كثيراً من الخطط الهادفة والمدروسة من أجل مواكبة هذه التغيرات والتطورات، وحتى تكون في ركب الدول المتقدمة والمبادرة في شتى أمور الحياة والعلوم المختلفة.

لم تغفل المملكة عن أهمية التنمية المستدامة واتجاهاتها ومجالاتها الكثيرة والمتعددة، فشرعت في إعلان الرؤية المجيدة (رؤية 2030) لتشمل جميع اهتمامات الحياة التي ترفع من قدرات الوطن، وتلبي احتياجات المواطنين.

وكان من ضمن هذه المجالات المجال الرياضي، فتم تطويره وتأهيله لمواكبة حقبة زمنية جديدة، ولرفع مستوى الجهة التي تقوم عليه، حيث تم إعلان تحويل الهيئة العامة للرياضة والشباب إلى وزارة الرياضة، وذلك لأهمية هذا التغيير والتحول والتطوير، وزادت من عدد الأندية الرياضية والأنشطة الرياضية، كما دعمت وأكدت أهمية مشاركة المرأة في المجالات الرياضية، إيماناً منها بأن الرياضة حق مكفول للجميع (الرجال والنساء)، وليست حكراً على الرجال فقط.

ولن نخوض في مقالتنا هذه عن أهمية الرياضة للرجال أو النساء، وإنما سنخوص في أهمية أن تكون الرياضة السعودية موجودة في كل المجالات، انطلاقاً من أهمية تحقيق أهداف الرؤية الوطنية السعودية، ومن هذه المشاركات هي إيجاد اتحاد سعودي لبعض الألعاب الرياضية المغيبة أو المختفية عن مجتمعاً، ولا نرى لها اهتماماً شعبياً كما هو موجود لدى كثير من شعوب العالم.

لفت انتباهي أنه في الفترة الأخيرة اهتمت مصر وعدد محدود جداً من الدول العربية برياضة متميزة ولها أهميتها في المستويات الرياضية، وهي لعبة «الدارتس»، وكثيرون لا يعلمون ما هي لعبة الدارتس!وأنشأت لها اتحاداً وطنياً يعنى بشؤونها، ويشارك في البطولات الدولية المتعلقة بها، وتسعى للمشاركة في الأولمبياد العالمي للعبة الذي سيقام في باريس عام 2024، ويسعى إلى إيجاد اسم مصر في المحافل الدولية في هذه اللعبة.

لعبة الدارتس من الألعاب الرياضية الخفيفة التي تعرف باسم رمي الأسهم ذات الريشة، وتتطلب ثلاثة أشياء فقط: اللاعب، والقاعدة المعلقة، والأسهم ذات الريشة. وهي تشبه لعبة رمي الأسهم أو النبل، ولكن من دون نبل أو قوس، وإنما الرمي يكون باليد. تعتمد على قوة التركيز والحساب لدى اللاعب في إصابة الهدف المحدد واللون أو الرقم المطلوب في اللوحة المعلقة، ولها طرق كثيرة للعب أشهرها (501)، ويمكن أن يلعبها شخص أو شخصين متنافسين أو مجموعتين أو عدة مجموعات متنافسة. ومسافاتها لا تتجاوز ارتفاع اللوح رأسياً إلى 173 سم، ويبتعد الرامي أو اللاعب عنها مسافة 237 سم.

هي لعبة تهتم بها بعض الشعوب، إنجليزية المنشأ، وعدد محدود من دول العالم هي التي لديها اتحادات وطنية، ومؤشرات مشاركة الدول وتاريخ هذه اللعبة تدل على أن الاهتمام بها حديث، حيث أقيم الاتحاد الدولي للعبة في عام 1967 ويضم في عضويته تقريباً 80 دولة، الأمر الذي يساعد أن تكون للمملكة إمكانية المبادرة في هذه اللعبة وتقديم أسماء بارزة كأبطال وطنيين في هذه اللعبة.

لماذا لسنا موجودين على خريطة هذه اللعبة؟، ولماذا لا نهتم بها في مجتمعاتنا؟ ولماذا لا نضيفها إلى بعض الألعاب الهامة في الدارتس؟ كلها أسئلة هامة نشرحها من دون إجابة في جوانبها التي تتعلق بها.

لا بد أن يكون ضمن خطط رؤية 2030 في الجانب الرياضي مجموعة من الأهداف والخطط المستقبلية الواجب تحقيقها، ومن هذه الخطط هو تأسيس وإنشاء اتحادات وطنية سعودية لمجموعة من الألعاب ذات الاهتمام الدولي، ومن ضمنها (لعبة: «الدارتس أو أسهم الريشة»، والرماية بالأسهم، وغيرها)، ولا بد أن يكون من ضمن الخطط مشاركة المملكة في المحافل الدولية على مستوى أكبر، حتى لو كانت موجودة ومشاركة من قبل. وكذلك أن يكون الاتحاد السعودي الخاص بهذه اللعبة وغيرها من الألعاب، يأخذ دور السبق والمشاركة في الاتحادات العربية والإقليمية والدولية، وتعزيز مكانة المملكة فيها. وأيضاً حتى لا نفقد إمكانية مشاركتنا في فترة عضوية الاتحاد الدولي والاتحاد الآسيوي والاتحاد العربي لهذه اللعبة والدخول في عضويته، والمشاركة في ألعابه الأولمبية التي ستعتمدها هذه الاتحادات للدارتس مستقبلاً.

ويمكن أن يشارك في هذه اللعبة كلا الجنسين، وكل على حدة، ويمكن تنمية الاهتمام بهذه الألعاب في مجتمعنا، وأن نخرج من ظل لعبة البلوت التي سيطرت علينا أعواماً وعقوداً من الزمن. ففي هذه الألعاب تحريك للدورة الدموية وتنشيط للأجساد.

وهذا يدفعنا للتساؤل عن عدم الاهتمام بهذه الألعاب في مدارسنا، مع وجود البدائل الآمنة في الاستخدام – وهذه شرحها يطول - ويمكن للطلاب والطالبات بمختلف الأعمار والفصول أن يلعبوها خلال فترات الفراغ المدرسي والراحة، بدلاً من الانتظار بملل في ساحات المدراس. وهذا يأخذنا إلى أهمية التعاون المشترك بين وزارة التعليم ووزارة الرياضة لوضع استراتيجية مستقبلية تليق برؤية 2030، من خلال وضع الرياضات المناسبة وتعدديتها في جميع مدارس المملكة وعدم الوقوف عند رياضة كرة القدم والسلة والطائرة فقط. وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في دعم هذه الرياضات وتهيئة الأجواء المناسبة لها، واستقطاب المواهب التي تبرز في هذه الرياضات من أبناء الوطن والتي تحتاج إلى الدعم، ودعمهم بما يحقق مشاركة فاعلة للمملكة في المستويات العالمية والدولية.

إن التغيير والتطوير التنموي والثقافي لا يقف على عاتق الحكومات والجهات الحكومية فقط، وإنما هو مسؤولية مجتمع أيضاً، فكان حرياً بالمجتمع النظر إلى ما هو نافع وليس الوقوف عند ما هو مرفوض ومحرم من قبل. هذه العبارات ترفع من مستوى التخطيط المستقبلي لأهمية التركيز على مختلف المجالات الحياتية والمعيشية للأفراد بما يساعدهم على التنمية والتطور نحو الأفضل. فدعم القطاع الخاص لإنشاء عدد من الأندية الصغيرة في داخل الأحياء والقرى والمدن وبأسعار رمزية ومناسبة لأفراد المجتمع لن تمنع المجتمع من القبول بمثل هذه الرياضات، وتطوير ثقافاته نحو الأفضل، فلا أرى من وجهة النظر المتواضعة أي موانع شريعة ودينية في قبول المجتمع بها.

ونأتي هنا إلى مختصر القول إن الأهداف الحقيقية بشكل عام من هذه الرياضات تتمثل في:

• التركيز على صحة الأفراد وضمان زيادة ساعات الحركة، وهذا يزيد من حرق السعرات الحرارية في الجسم، وكما نعلم فإن الصحة وجودة الحياة والمعيشة للأفراد تعد أحد أهم مرتكزات رؤية 2030 المستقبلية.

• دعم خطط الاستثمار ومشاركة القطاع الخاص في هذه الرياضات، بما يعود بالفائدة على اقتصاد المملكة في المستقبل، ودعم صناعة الرياضة المتنوعة والشاملة، بما يصب في مصلحة تحقيق رؤية 2030 مستقبلاً.

• ضمان الصحة للجميع، فزيادة وشمولية وتعداد الرياضات في الأحياء والمدن والقرى، يضمن مشاركة الأفراد وممارسة الرياضة ورفع مستويات الصحة لديهم ومحاربة أمراض كثيرة منها السمنة وزيادة الوزن وأمراض السكر وارتفاع الضغط وغيرها.

• ضمان مشاركة مجتمعية، فالنساء سيدخلن هذا المجال وبقوة، مما يحفز الجنس الآخر (الرجال) للمنافسة، وهنا يزيد عدد المشاركات ويزيد مستوى تحقيق الأهداف في تعزيز ممارسة الأنشطة الرياضية في المجتمع، وتحقيق التميز في عدة رياضات إقليمياً وعالمياً.

• المشاركة في المسؤولية الاجتماعية لتحقيق مرتكزات التنمية المستدامة، من خلال مشاركة وزارات (التعاليم، والصحة، والرياضة) وأمانات البلديات، في التخطيط لهذه الرياضات التي تساعد المجتمع على البناء والعيش بالطريقة الصحيحة، وإيجاد بيئة صحية سليمة حوله.

هناك كثير من الحديث عن الرياضات التي نحتاج إليها في المجتمع مستقبلاً، ولكن رغبت أن تكون المقالة هذه عن لعبة «الدارتس» والتركيز على أهميتها وأهمية الاهتمام بها في المملكة، حتى لا يداهمنا الوقت مستقبلاً ونتأخر في المشاركة العالمية، وإيجاد مقعد للمملكة في مصاف الدول العالمية في هذه اللعبة.