كتب الصحفي توماس فريدمان، في صحيفة نيويورك تايمز، يوم 4 يونيو 2003 مقالا عنوانه هو (إننا نستطيع). حيث قال بعد 9/11 كانت أمريكا بحاجة لضرب أحد ما في العالم الإسلامي.

أفغانستان ليست كافية لأن فقاعة إرهابية قد تشكلت هناك وهي فقاعة تشكل تهديدا حقيقيا للمجتمعات المفتوحة في الغرب ولا بد من ثقبها. هذه الفقاعة الإرهابية قالت إن تفجير الطائرات في مركز التجارة العالمي شيء مقبول، وقول الدعاة المسلمين إن هذا مقبول؛ هو أمر مقبول، وأن تقول الصحف التي تديرها الدولة إن من يقومون بمثل هذه الأعمال (شهداء) أمر مقبول، والسماح للمؤسسات الخيرية الإسلامية بجمع الأموال لمثل هؤلاء (الشهداء) أمر مقبول...

الطريقة الوحيدة لثقب هذه الفقاعة كانت أن يقوم الجنود الأمريكيون، رجالا ونساء، بالذهاب إلى قلب العالم العربي/الإسلامي، من بيت إلى بيت، ليوضحوا أننا مستعدون ﻷن نقتل، وأن نموت، لمنع تقويض مجتمعنا المفتوح.......)، لقد جعل من شعوب العالم العربي والإسلامي كافة أنها تؤيد مثل هذا العمل، والذي في الحقيقة الناصعة يرفضه الإسلام، تمنيت منه أن يذكر السبب الذي ولد تلك الأفعال وجذور المشكلة التي يغيبها عن فكره بشكل متعمد طيلة عمله الصحفي، ولعل القضية الفلسطينية هي اﻷساس في تراكم اﻹحباط واليأس والقهر الذي قاد الشعوب العربية واﻹسلامية للشعور بالغيظ والضيق واﻻنفعال على حجم المأساة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في أطول استعمار بغيض على وجه اﻷرض (والعالم المفتوح وقيمه الحرة المتحضرة) في صمت أو تحميل الضحية صاحب المقاومة المشروعة المسؤولية.

وليت الأمر يتوقف عند هذا بل القضية ممنوعة من النقاش أحيانا حتى وإن كان وفق قرار اﻷمم المتحدة، سوف أتوقف مع هذا الصحفي الليبرالي عند كلمة (العالم المفتوح) التي يفتخر بها، وأذكره بما يعيشه في واقعه في داخل أمريكا الذي يمثل وجها آخر مختلفا عما يرسمه الإعلام اﻷمريكي عند تناول قضايا خارجية، عبر استعراض بعض من الواقع المخزي الذي تعيشه أمريكا من خلال كتاب قامت بتحريره كيمبرلي بلاكر وعنوانه (أصول التطرف اليميني المسيحي في أمريكا) والذي فيه تشريح عميق للمجتمع الأمريكي ومشاكل الأصولية المتطرفة التي تعصف به على نحو خطير.

تقول كيمبرلى إن أمريكا ليست معصومة من تغذية التطرف، والدليل قيام المسيحيين تيري نيكوﻻس وتيموثي ماكفي بتفجيرات أوكلاهوما تحت حركة (الهوية المسيحية) المتطرفة، لقد اختار ماكفى التفجير كي يعارض على الملأ غزو الحكومة لمقر جماعة (واكو برانش ديفيديانز) التي كانت تروج لفكرة السمو العرقي للبيض، ويتبعون عقيدة الهوية المسيحية.

وتذكر كذلك جماعة (جيش الرب) التي استهدفت عيادات الإجهاض وتورطت في عمليات خطف وتفجير وقتل، حيث كانت تلك الجماعة على صلة باستهداف تلك العيادات بمائتين وثمانين رسالة بمادة اﻻنثراكس السامة في عام 2001م وعملية قتل حصلت للدكتور جون بيارد بريتون في عيادته في بنساكوﻻ بوﻻية فلوريدا؛ حيث قام (قس) يدعى بول هيل بإطلاق النار عليه وحارسه جميس باريت وأرداهما قتيلين، وإرسال رسائل بريدية بداخلها طلقات نارية إلى الأطباء في مونتانا، وزرع قنبلة خارج إحدى عيادات تنظيم اﻷسرة.

وتضيف أيضا اﻹشارة إلى منظمات اليمين المتطرف مثل منظمة (التركيز على اﻷسرة) التي يتزعمها الدكتور جيمس دوبسون أستاذ طب اﻷطفال سابقا وهو رجل يشار إليه بالبنان في أوساط المسيحيين المحافظين في أمريكا، يصل صوته بصفة يومية إلى أسماع اﻵباء واﻷمهات عبر أمريكا من خلال ثلاثة آﻻف محطة إذاعية، وهناك أيضا القس بات روبرتسون وكذلك القس جيري فالويل اللذان تربطهما علاقة قوية باﻷصولية المسيحية المتطرفة التي تدعم الحزب الجمهوري بشكل كبير، ولهما عداء للإسلام والتهجم على النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) ومساندة ما يسمى (إسرائيل).

وتذكر كذلك مسألة العنصرية الفجة تجاه اﻷجناس واﻷديان اﻷخرى والزنوج خاصة من خلال (جمعية كو كلوكس كلان) التي ما زالت تمتلك معسكرات ووسائل إعلام منتشرة في كافة أنحاء أمريكا.

أكتفي بهذا القدر من النقل واﻻقتباس البسيط من الكتاب على الرغم أنه يحوي الكثير من المعلومات التي تعطي حقيقة (مجتمعنا المفتوح) الذي يفتخر به توماس فريدمان، وأسرد له أخيرا ما قالته المؤلفة في أن تقليل الوﻻيات المتحدة من أهمية الجماعات المتطرفة الموجودة بالداخل يزداد وضوحا، فبينما ينصرف التركيز في الحرب على اﻷرهاب على الخطر الموجود جزئيا في أرجاء العالم، لم تكن هناك سوى إشارات نادرة إلى العديد من الميليشيات ومعسكرات التدريب ذات الخلفية المسيحية المنتشرة في الوﻻيات المتحدة، أو العديد من الجماعات المسيحية ذات الفكر المتطرف، لكن إذا ما انجلت أوجه التطابق بين الأصوليتين المسيحية واﻹسلامية بصورة كاملة، عندئذ لن نستطيع اﻻستمرار في تجاهل الواقع. إننا في حاجة ملحة ﻷن يدرك اﻷمريكيون وتدرك حكومتنا تهديدات أولئك القاطنين بيننا على مستقبلنا.

فاﻹرهاب إرهاب مهما اختلفت عباءة الدين التي يستتر خلفها.