أقل ما يُمكن أن تُوصف به أي شخصية سياسية - أياً كان ثقلها وصفتها- تعتمد على الشعبوية والتعبئة، أنها شخصية انتهازية غارقة في اللؤم.

وأقل ما يُمكن أن نصف به شخصية تتخذ من أي هالة دينية طائفية، تعيش من خلالها على رُكام عقول الجهلة والحمقى المغفلين، أنها شخصية تتمتع بالخبث والأنانية ما الله به عليم.

وأقسى وأقذر أنواع التعبئة والشحن، ذاك الذي يعتمد على قواعد مذهبية، سعياً للوصول إلى رمزيةٍ معينة.

يُجيد زعيم ميلشيا حزب الله في لبنان حسن نصر الله، اللعب على العواطف استناداً إلي تلك الصفات، ويعتمد عليها في صناعة شخصيته والهالة الطائفية حولها.

ويُعتبر أحد أهم اللاعبين على شعارات العاطفة المُغلفة بالكذب والدجل، ويتميز أيضاً لمن يعرف تلك الشخصية بدقة، بأنه أحد أكبر صُنّاع صور التغطية والمراوغة، وذر الرماد في العيون.

ويفهم الزعيم الطائفي كيف ينقل المؤيدين من محور إلى محور دون شعورهم، عبر عناوين عريضة تعتمد على الإسلام السياسي، وربما الطائفي الذي يمثله - إن جاز التعبير - فشعارات الإسلام السياسي لا تعتمد على مذهبٍ مُعين أو طائفةٍ ما، لاستنادها على رافعة الدين بالعموم.

لكن هناك بالمقابل من يعتمد على دعامات الطائفية، ويجيد نصر الله اللعب على المحورين، الإسلامي بالمفهوم الشامل، والطائفي بالمفهوم الضيق والمقيت.

خرج زعيم الميلشيا في لقاء متلفز استمر ثلاث ساعات، سرد عبره ما يُمكن أن يراه مُحبوه حقائق، تزيد من قيمة السيد في نفوسهم، وما يمكن أن نراه تزييفاً صريحاً للحقائق والتاريخ تزيدنا من الاقتناع بكذبه.

تعمّد تجيير كل منافع المنطقة، وفق منظوره للجمهورية الإيرانية، وللجنرال الهالك قاسم سليماني، وربط بينه وبين موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للزج بقواته في الحرب السورية دفاعاً عن نظام بشار الأسد.!

ويعني ذلك أن دمشق تفتقر لأمرين، أولهما الأهمية الجيوسياسية لروسيا، إذا ما ربطنا الأمر بصراعات النفوذ القائمة في المنطقة، والإطلالة على البحر الأبيض المتوسط التي استمات الدب الروسي لبسط يده عليها، للتحكم بذلك المفصل المُطل على العالم.

وثاني الأمور هو أن لا شخص في الحكومة السورية يملك الشخصية والحضور السياسي الذي يقود موسكو للدفاع عنه، وهذا بالمعنى السياسي يعني طعنةً في ظهر بشار الأسد، ويعني في الأخلاقيات التي يفتقدها عدم وفاء للحليف المُقاوم.

وفي مقابل ذلك، تحول نصر الله إلى الحديث الذي شكّل صدمةً لمن يعمدون تصديقه، وهو أن المملكة قدمت تعهدات مالية لواشنطن، بتحمل تكاليف أي حرب تنتج عن اغتياله!، وأن أطرافاً «شمالية شرقية» حسب قوله، ويعني أجهزة مخابرات أبلغته بأخذ الحيطة والحذر، بعد الاتفاق الذي أبرمته المملكة مع إدارة ترامب بُعيد توليه إدارة الولايات المتحدة الأمريكية حول تصفيته!

وفي ذلك تفسيران حسب فهمي، فبالنظر إلى قوله «الحرب الناتجة عن تصفيته»، يعني أن حرباً طاحنة ستشهدها المنطقة نتيجة مقتله، وفي ذلك مخاطبةً شعبوية، يسعى عبرها للحصول على أكبر قدر من الرمزية لدى مؤيديه ومن يدور في فلكه، وبالتالي مزيد من الهالة التي تُحيط به من الناحية المذهبية والسياسية، هذا من ناحية، ومن أخرى أتصور أن الهدف من وراء نشر مثل هذه المعلومات «الفارغة»، التغطية على الوعود الكاذبة، التي أطلقتها الجمهورية الإيرانية، وأطلقها هو ذاته، بالثأر للجنرال الهالك قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، الذي يُصادف الثالث من يناير المقبل مرور عام على مصرعيهما دون أخذ الثأر عملياً أكثر من الهرطقة.

والأهم أن المملكة التي لا يعني لها نصر الله ولا يتجاوز أكثر من كاذبٌ نعّاق، والولايات المتحدة التي قتلت من هو أخطر منه دون اكتراث، ليست بحاجة لتخطيطٍ بغرفٍ مغلقة لتصفيته، إذا ما أدركنا أن جهاز الموساد الإسرائيلي – باعتبار أنه يعني لإسرائيل – يملك إحداثيات جحره الذي يُطل منه، ولا تُكلّف عملية اغتياله أكثر من طلعة جوية بدقائق لإحدى طائرات سلاح الجو الإسرائيلي. بالمُحصلة لا حاجة لتكتيكات استراتيجية عسكرية – سعودية أمريكية -، ولا لتعهدات مالية لقتل جرذ مُختبئ في الضاحية الجنوبية لبيروت.

ما يُفهم من صناعة الأكاذيب والترويج لها، واختيار الوقت والظرف السياسي المناسب، أن السياسة شيء لشخص مثل زعيم ميليشيا الحرب الطائفية في لبنان، والتسييس شيء آخر ومختلف وبعيد، عما يمكن وصفه إسلاماً سياسيا بصرف النظر عن المذهب والطائفة، وأن الاعتماد على الجعجعة للحصول على منافع ومكاسب شخصية، لا تزال تجد مناخاً ومساحةً مناسبين لدى الناعقين والمصفقين والمؤيدين، لمثل شخصيات حسن نصر الله وأشباهه.

من هنا يمكن استيعاب كيف تعمّد نصر الله تمرير مثل هذه المعلومة، لصناعة مزيد من الكراهية للمملكة، إذا ما اعتبرنا أن الرياض تُشكل رأس حربة مشروع الاعتدال، وتعمل على ترسيته كمنهاج حياة في المنطقة، اعتماداً على الاستثمار في الإنسان، ومواجهة الخطابات التي تعتمد على العواطف والشعبوية المُزيفة، فهذا النوع من الاستثمار يُفقد نصر الله ومن على شاكلته الحظوة والحضور الشعبي الذي يعتمد عليه.

فهو يعتقد أنه يحظى بصفات القائد الذكي، بينما لا يتجاوز كونه مُجرم حرب مُحاطا بالأغبياء.