وجه المذيع المديفر في برنامجه (الليوان) على شاشة روتانا خليجية، سؤالا للكاتب وصاحب المؤلفات في علم النفس وتطوير الذات الدكتور خالد المنيف، وقال له: ما الذي يجعل البعض بينه وبين الفرح حاجبا، باختصار ما الذي يمنعنا أن نفرح؟

كانت إجابة المنيف بكلمتين بسيطتين وهي (التأجيل، والانتظار)، وأكمل قائلا: ننتظر ونقنع أنفسنا بأنه لو حدث لنا كذا وكذا سنفرح حينها، ونربط السعادة بأمر ما مستقبلا، كأن يقول أحدهم لو تزوجت سأكون سعيدا، ويقول الآخر لو أنجبت سأكون سعيدا ولو توظفت سأكون سعيدا و.... و.... إلخ.

بينما ننسى أن نطلق لحواسنا العنان لنشعر بأقصى درجات المتعة والفرح التي نعيشها تلك «اللحظة»، وضرب المنيف مثلا أنه كان «يتعطر» يوما ما وقالت له ابنته إن «رائحة العطر حلوة»، وهو يحلف أنه لم يشمها لأنه كان مشغولا بلحظة مستقلبية غير لحظة «رائحة العطر» التي استطاعت ابنته أن تعيش جمالها أكثر منه.

وتابع المنيف قائلا: إننا لا نستخدم من حواسنا إلا 10% فقط، والسبب أننا نريد أن نجمع بين لحظتين فنخسرهما معا، فتجد أن أحدهم مثلا قد ذهب ليتلذذ بطعم الأكل في مطعم ما، وكان قبلها يعتقد أنه سيكون في قمة سعادته في تلك اللحظة، وحينما يحضر لذلك المطعم ينشغل عن لحظة التذوق الجميل بشاشة تليفون مثلا. وأكمل قائلا: علينا أن نستمتع بكل ما يمر بنا، فلا نضيع صوتا طربنا لسماعه دون التوقف عند تلك اللحظة والاستمتاع بها، وقس عليها أن نتوقف عند كل سعادة وفرح وذوق جميل، لنقف على تلك اللحظة وكأن الوقت قد توقف بنا.

أتذكر أنني شاهدت مكانا سياحيا شهيرا على مستوى العالم، ونسقت مع صديقي منذ «أيام الدراسة» لنأخذ إجازة من أعمالنا تبدأ في وقت واحد رغم أنه في الشرق وأنا في الغرب، ووصلنا للمكان الذي كنت أشاهده في مقاطع اليوتيوب والصور وكأنني أشعر برذاذ تلك الشلالات ولسعات برودتها مع دفء شمسها.

وما إن انتقلنا من عالمنا الافتراضي لهذه المشاهد إلى مشاهدتها على أرض الواقع، حتى أشغلنا كيفية الحفاظ على تلك اللحظة مستقبلا عن الشعور بها في ذلك الوقت، فانشغلنا بتوثيق تلك اللحظات بهواتفنا عن اللحظات نفسها، والغريب أننا اتفقنا أنا وصديقي أن تلك المتعة في تلك الأماكن التي قطعنا لأجلها آلاف الأميال الجوية، لم تكن بشعورنا نفسه أثناء خروجنا من إحدى المحاضرات في الجامعة، وهربنا لمطعم «بروست» بالجوار، ولأنه أوشك أن يغلق للصلاة فقد أكلنا في السيارة بلا مكيف وفي أشد درجات حرارة «شارع الستين» بالملز، ومع ذلك لم ننس جمال ذلك «البروست» فقط، لأننا كنا حينها نعيش حياتنا بمبدأ (خذ حقك من اللحظة).