يبدو أن الخيانات أصبحت مشكلة اليمن المزمنة، بل إن البعض صار يفتخر بخيانته ويسميها شطارة، وبعض أهل اليمن صاروا يغيرون ولاءاتهم أكثر من تغيير ملابسهم، مشكلة اليمن حاليا، أن الخيانة أصبحت تجارة، إذا راجعت كل التخبطات والإحباطات وأي اختراقات أو التفجيرات وحتى المعسكرات التي سقطت بيد الحوثيين في أي وقت فإنها لم تكن بسبب كفاءة الحوثي بقدر ما هو خيانة من البعض أو الآخر.

ببساطة حال اليمن كما وصف الشاعر «متى يبلغ البنيان يوما تمامه.. إذا كنت تبنيه وغيـرك يهدم».

عندما تفكر في حال اليمن تجد البعض يعانون من أجل لقمة العيش، ولكن الأمم المتحدة أتلفت آلاف الصناديق من الغذاء في مخازن الأمم المتحدة لأنه انتهت صلاحيته، ولم تستطع توزيعه على المحتاجين! بسب تعنت الحوثيين ولم يستطيعوا حتى إدانة عرقلة الحوثيين.

لنتكلم بصراحة، حتى الحكومة اليمنية ومسؤولوها لم تكن آمنة بعد الله لولا أنها تحرس بالقوات الخاصة السعودية، ورأينا ما حصل في المطار عندما ثبتت القوات الخاصة وأمنت رجالات الحكومة، بعدما انتشرت الخيانة بين البعض وأصبح لا يخجل منها.

كثير من الأشياء كانت شبه مسلمات عن اليمن وثبت خطؤها، كان البعض يضع ثقلا كبيرا للقبيلة وأنها خط أحمر، والآن نرى الحوثيين يسحلون بعض شيوخ القبائل، ولا أحد يعترض، حتى العادات القبلية والمجتمع اليمني لم يعد هناك خطوط حمراء فآلاف النساء اليمنيات في السجن يعذبن، والقبائل اليمنية في الشمال صامتة!

بل بعض القبائل والعوائل اليمنية استخدمت طريقة الوجهين فهي ترسل بعض أبنائها مع الحوثيين، والبعض الآخر مع الشرعية حتى تكسب من الطرفين!

كيف تستطيع أن تبني دولة، وأنت تعرف أن أحد الموظفين ربما قد يغير ولاءه خلال جلسة واحدة وكم حزمة قات!

المساعدات التنموية والإنسانية وبناء المرفقات لن تساعد كثيرا في كسب ثقة بعض اليمنيين، فبعض زعماء القبائل اليمنية يحسبها شطارة ويقول في نفسه، ماذا سيخسر أفراد عائلته وقبيلته فهم يعملون في الخليج ويرسلون الأموال وإذا تحالف مع الحوثيين لن يعاقب، بينما لو تعامل مع الشرعية والتحالف فإن الحوثيين سيعاقبونه ويعذبونه، لذلك يختار التعامل مع الحوثيين ما دامت لا توجد عواقب لتحالفه معهم، وأيضا ما دامت أمور قبيلته مؤمنة في الخليج مهما فعل!

اليمن يحتاج جهازا استخباراتيا قويا، ومستشارين دوليين محترفين، يكونون شبكات أمنية قوية تخترق الحوثيين للنخاع، وتبني جهازا أمنيا، يقضي على الخونة.

يجب أن يعرف كل خائن في اليمن أن هناك عواقب كبرى لخيانته. إن أهمية الجهاز الأمني والاستخباراتي حاليا تعادل بل تتفوق على القوة العسكرية، أكثر من خمس سنوات مرت على الحرب، ولم تتمكن الشرعية من بناء جهاز استخباراتي محترف يخترق الحوثيين ويبطل الإرهاب الحوثي قبل أن يحصل، لذلك هناك خلل واضح، وهذا الخلل يحتاج تدخلا خارجيا محترفا، فهم يحتاجون بشدة إلى مستشارين محترفين من قدامى ضباط الاستخبارات حول العالم، وخصوصا المتمكنين من إنشاء الشبكات والمصادر البشرية، وإلا لن يستتب الأمن في اليمن وسيبقى الإرهاب الحوثي.

أيضا يجب معاقبة شيوخ القبائل والعوائل اليمنية الذين يتعاملون مع الحوثي، فعليهم أن يختاروا ويعرفوا أن اللعب على الحبلين لم يعد ممكنا، وإلا سيواجهون العواقب هم وأفراد قبائلهم. لا يعقل أن أفراد قبائلهم يعملون في الخليج، ويحولون الأموال، وهذه الأموال تذهب إتاوات لدعم الإرهاب الحوثي، فهذا دعم للإرهاب.

ليس من الحكمة تجريب المجرب بعد كل هذه السنوات، والقول ربما يتمكن اليمنيون من تكوين جهاز أمني بمفردهم. إن إدخال عامل جديد بأفكار جديدة للمشهد اليمني، أصبح ضرورة، خصوصا مع التخاذل الواضح لبعض المكونات اليمنية، الحوثي رضي أن يكون ذنبا للفرس، وبعض المكونات اليمنية رضيت أن تكون مطية للحوثي، إذن ليس هذا وقت المجاملات.

في رأينا أن صرف جزء من المبالغ التي صرفت على اليمن من التحالف لإحضار مستشارين مخضرمين من خبراء الاستخبارات من حول العالم، والآن صار الموضوع متوفرا، وكثير من يعرضون خدماتهم، حتى الشركات ومؤسسات تستعين بهم، وتتعاقد مع من يملك هذه المهارات، ونتمنى بناء جهاز استخباراتي قوي في اليمن، يكون في بدايته تحت مظلة التحالف، لأن هناك العديد من التفاح الفاسد حاليا، إلى أن تتم تنقية وتصفية الأجهزة الأمنية والعسكرية اليمنية.

وأيضا وضع أهداف معينة لهؤلاء الخبراء بمدة وجدول زمني (تارغيت) لبلوغه، وكما ذكرنا سابقا في عدة مقالات، الوضع اليمني يحتاج إلى (كي بي أي) مؤشرات أداء، لمعرفة وقياس التقدم، ولا ننسى أن من أوائل استخدام مؤشرات الأداء كان في الحرب.

إن استمرار الحكومة الشرعية بهذا الوضع، إما في الفنادق والبروج العاجية، أو في القصور، ودون إمكانية وثوق ببعض المسؤولين الحكوميين، متلوني الولاء، لن يستطيع خلق حكومة فعالة أو دولة مستقرة، وإلا ستصبح المساعدات مستمرة كالطفل الذي لا يستطيع الفطام، وستتكرر الخيانات والتفجيرات، وأيضا تتكرر عملية إتلاف الطعام في مخازن الأمم المتحدة رغم وجود أناس جوعى يحتاجونه،! خصوصا أن الوضع الحالي السيئ للشعب يخدم كثيرين من تجار الحروب، إلى بعض موظفي الأمم المتحدة، إلى بعض الدول، إلى متعددي الولاءات، حتى بعض العاملين في الخليج، بعض هذه الفئات مستفيدة من تطويل الأزمة.