قبل قرابة خمسين عامًا نشأ طب الأسرة. الطب المختلف والمتكامل الذي يهتم بصحة الإنسان منذ ولادته حتى موته. مرورًا بكل مراحله العمرية وفي كل أحواله. كل أسرة هي بحاجة إلى طبيب أسرة، طبيب سهل الوصول إليه، يستطيع التعامل مع كل المشاكل الصحية والنفسية، ويحول الحالات ذات الاحتياج الملح للتخصصات ذات العلاقة وغير ذلك هو كفيل بعلاجه. في أوروبا وأمريكا هناك طبيب أسرة لكل أسرة، فطبيب الأسرة هو الطبيب الذي يعرف التاريخ المرضي للأسرة، حيث إنه يعالج الأب والأم والأبناء وإن طال عمره عالج الأحفاد. يعمل طبيب الأسرة طبيبًا لجميع أفراد العائلة من جميع الأعمار سواء كانوا صغارًا أو كبارًا أو نساء حوامل. كم هو جميل هذا التخصص الذي يختصر كل التخصصات لتكون في عيادة واحدة، يختصر الوقت والجهد والمسافات، فهو موجود في مراكز الرعاية الصحية الأولية التي تخدم كل حي، ولكن هل بالفعل لدينا طبيب أسرة لكل أسرة! تخصص طب الأسرة هو أساس أي نظام صحي قوي، لذلك تأسست لدينا برامج الزمالة في طب الأسرة، ولكن المفهوم الخاطئ لدى بعض العامة عن هذا التخصص تسبب في أمرين، أولًا: عدم رغبة المرضى في زيارة طبيب الأسرة لأنهم يريدون التخصص الذي يظنونه مناسبًا لشكواهم، فإن آلمه جنبه ظن أنه يحتاج إلى طبيب كلى، وإن آلمته معدته قصد طبيب جهاز هضمي، والأمر ليس كذلك، بل يحتاج إلى طبيب مختص يقيم الحالة ويشخصها ويعالجها، وأقول مختصًا لأن طبيب الأسرة هو طبيب مختص وليس طبيبًا عامًا كما يفهم البعض. ثانيًا: لعدم إدراك بعض الناس أهمية عمل طبيب الأسرة فإن ذلك قلل من عدد الأطباء الذين يرغبون في دراسة هذا التخصص، إذا كان هدفنا هو إتاحة طبيب لكل أسرة فيتعين علينا ربما منح مقاعد أكثر لهذا التخصص، وكذلك تقليل المهام الإدارية على هؤلاء الأطباء، وعقد برامج تثقيفية دورية في كل مركز صحي ينفذها طبيب الأسرة، يتعرف من خلالها الأهالي على طبيبهم وتزداد علاقته بهم فيثقون به أكثر. العلاقة بين المريض وطبيبه هي علاقة أقوى من الصداقة، لأن الصداقة لا تستوجب الثقة بقدر ما تستوجبها الطبابة، ولأن الثقة تُبنى مع الوقت أتمنى ألا يتنقل طبيب الأسرة من مركز صحي إلى آخر، بل نحاول قدر الإمكان أن يبقى طبيب الأسرة في مركزه، يتابع مرضاه ويعرفهم شخصيًا ويسأل عن أحوالهم. طبيب الأسرة ليس مجرد طبيب بل هو جزء من الأسرة التي يعالجها، نحتاج بقوة إلى زيادة عدد أطباء طب الأسرة ليكون لدينا اكتفاء ذاتي في مراكز الرعاية الصحية الأولية، فنحن رغم زيادة عدد برامج طب الأسرة إلا أننا لم نحقق هذا الاكتفاء بعد، في بريطانيا مثلًا 50% من الأطباء يعملون كأطباء أسرة، النظام الصحي في بريطانيا يفرض على المريض ألا يذهب إلى أي مستشفى إلا في الحالات الإسعافية الطارئة، وغير ذلك يذهب لطبيب الأسرة في الحي. إذا توفر أطباء الأسرة في كل مراكز الرعاية الصحية الأولية فإن ذلك سيرفع من مستوى الخدمات الصحية للمركز، وسيرفع من صحة الفرد والمجتمع وستتفرغ المستشفيات لعلاج الحالات الحرجة والطارئة.