يُعد الأمن الفكري مطلب أساسي في بيئات العمل، ويأتي على رأس قائمة الغايات المهمة في المنظمات، وعندما يتحقق الأمن الفكري في بيئة العمل، حتما سيشعر الموظفون بالطمأنينة والسكينة والاستقرار داخل المنظمة، ويكون ذلك مدخلا للإبداع والابتكار والتطوير المهني.

والأمن الفكري كمصطلح يكثر الحديث عنه في وقتنا المعاصر، ونعرفه بأنه (هو إحساس المنظمة بأن منظومتها الفكرية ونظامها الأخلاقي الذي يترتب على العلاقة بين أفراد المنظمة بعضهم بعضا وبينهم وبين قائدهم بعيدًا عن موضع أي تهديد من فكر وافد). إذن الأمن الفكري يأتي على رأس قائمة الأولويات، لأنه يؤمن تحقيقًا تلقائيًا للأمن في الجوانب الأخرى، وإذا صلحت القيادة صلحت توابعها.

وتتعرض المنظمات على اختلاف طبيعة أنشطتها إلى تحديات عدة نتيجة لتـسارع التطورات والتغيرات لاسيما في وضعنا الراهن، مما يحتم علينا وجود قيادة آمنة واعية مشتركة تعمل على حفز تلك التحديات معتمدة على الحوار وهو سنة الحياة، ورفض إشكالية الموقف من الآخر والذي يؤدي إلى التعصب المهني، وإنما تهيئ العقل للتكيف مع تلك التحديات بمنطق أخلاقي وسطي يحول دون الظلم أو الهيمنة أو لغة الاستعلاء أو الهدم.

إذن تلك التحديات تفرض على أن يكون العاملين على قدر واع من الفكر الأمن ما يساعدهم على مواكبة التطور والتقدم انطلاقًا من فلسفة ورؤية المنظمة والتي ترتبط وتنبثق من فلسفة المجتمع، وتعكس مصالحه العليا، وتستجيب للاحتياجات والتطلعات على أمل في غد أفـضل. ومن ثم فإن عدم توظيف القائد لتلك القدرات العقلية لتنهل من المفاهيم والأفكار والأطروحات والمعلومات والبيانات المتوافرة، ومن ثم التفاعل معها في بيئة العمل، وسيؤدي ذلك إلى تخلـف وتأخر في الفكـر مما ينعكس سلبًا على الأمن الفكري داخل المنظمة. وبالتالي يفرض حتمية التغيير لكافة العادات التفكيرية السلبية، ومناهضة سـيطرة الأفكار والمفاهيم الخاطئة، وصولا إلى إعمال العقل، وتهيئة بيئة مهنية ملائمة للبحث عن الحقيقة في إطار قواعـد التفكير الصحيح وبرؤية معاصرة. حيث يجب تأصيل فهم مقاصد الدين الإسلامي الحضارية على نحو عميق ودقيق، وترسيخ مبدأ الاعتدال والوسطية والتفكير الرشيد. واستثمار القدرات الذهنية لدى الموظفين في حل أبرز وأهم المشكلات الـتي تعاني منها المنظمة من (تخلف فكري، تأزم فكري)، وتنمية مهارات الإبداع والابتكار، وتعزيز الانتماء والولاء، وفن المناقشة والحوار، والموضوعية، والدقة، والانضباط القيمي والسلوكي، والمشاركة في المجتمعات المهنية.

كما يتطلب هذا النوع من القيادة أن يكون على قدر عال من الطموح ويمتلك أدوات المعرفة ومهارات الحوار والتواصل الفكري، كما يميل إلى البحث والتفكير التأملي في الأمور غير المؤكدة والتي يصعب التنبؤ بنتائجها، والبعد عن السطحية ولديه القدرة على التعامل الحر مع المفاهيم، والقائد الآمن هو الذي يشعر بهؤلاء العاملين ويتمتع بالقدرة على التأثير في الآخرين فالحس الجماعي مرتفع وبث روح الاطمئنان والاستقرار داخل النفوس وداخل منظمته، لاسيما أن العلاقة هنا مبنية على الثقة المتبادلة بين الأطراف المعنية.

كل تلك السمات جوهرية في التفكير المعاصر، وستجعل القائد قادرًا على الإسهام الفعال في تحقيق الأمن الفكري المنشود. كما أن العلاقات الإنسانية بدأت تتزايد بشكل كبير نظرًا لأهميتها في زيادة قدرات المنظمات على التعامل مع التحديات ومعالجة القضايا التي تواجهها، ونمط القيادة تضمن استثمار الطاقات الاستثمار الأمثل، وبالتـالي زيادة القدرة على التنافسية حينها نمضي معًا نحو قيادة آمنة.