علاقات عميقة وتاريخية تلك التي تربط بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية على المستويين الرسمي والشعبي. فقد اعترفت الحكومة الأمريكية بالسعودية كدولة مستقلة بقيادة الملك المؤسس عبدالعزيز يرحمه الله عام 1931 ثم تعززت هذه العلاقة بإعطاء الحكومة السعودية امتياز اكتشاف البترول لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا واسمها الحالي شيفرون عام 1933 ثم اكتشاف النفط بكميات تجارية عام 1938 بفضل الله ثم بجهود الجيولوجي خريج جامعة ستانفورد العريقة ماكس ستينكي الذي أصر على مواصلة الحفر بالبئر رقم 7.

ساهم بدء تصدير النفط السعودي للخارج بدءًا من عام 1939 في تشجيع الحكومة الأمريكية لتعيين سفير غير مقيم في المملكة هو بيرت فيش سنة 1939، وكان يقيم في القاهرة، ثم افتتحت الولايات المتحدة مندوبية في جدة عام 1942 ثم قنصلية في الظهران عام 1944.

أما من الجانب السعودي، فقد عين الملك عبدالعزيز يرحمه الله أسعد الفقيه كمندوب له في واشنطن عام 1946 ثم أصبح سفيرًا للمملكة بعدها بسنوات قليلة ليصبح الفقيه أول سفير سعودي في الولايات المتحدة واستمر في منصبه حتى عام 1954.

بجانب العلاقات الدبلوماسية والتجارية، كان بين السعودية وأمريكا تاريخ طويل من التعاون في المجال الثقافي والتعليمي ونحاول في هذا المقال توثيق بعض المعلومات عن بدايات التاريخ التعليمي السعودي في بلاد العم سام لكن ينبه أن بعض هذه المعلومات قد تكون غير دقيقة بسبب شح المصادر والمواد التاريخية التي توثق الموضوع بشكل علمي ونشر هذه المقالة قد يقود إلى تشجيع من لديهم من معلومات حول الموضوع لنشرها لكي يتم توثيق المرحلة الزمنية المستهدفة بشكل أفضل خاصة أن العنوان جزء مهم من التاريخ السعودي الحديث.

يبدو أن خليل الرواف الذي يعد أول عربي يمثل بأفلام هوليود عام 1937 هو أول سعودي بادر بإقامة نشاط تعليمي داخل الولايات المتحدة، فوفقا لمذكراته التي تحكي قصة حياته المثيرة التي شهدت هجرته للولايات المتحدة عام 1935 واستمر فيها مدة قريبة من الـ14 عامًا.

افتتح الرواف مدرسة لتعليم اللغة العربية في نيويورك كأول نشاط تعليمي يجمع بين الشعبين السعودي والأمريكي. يذكر أن الرواف ربما ثاني أو ثالث سعودي يهاجر للولايات المتحدة، أما أول المهاجرين السعوديين للولايات المتحدة حسب مصادر وزارة الخارجية فكان عبدالله الخليفة الذي هاجر لمدينة نيويورك عام 1909، وأقام هناك قرابة الـ6 سنوات للعمل في التجارة قبل عودته للمملكة، وقد كان كل من الرواف والخليفة من أبناء رجال العقيلات الذين يقومون بتجارة بين مناطق الجزيرة العربية والمدن العربية الكبرى، إضافة لحماية مواكب الحجاج قبل توحيد المملكة.

لم يتم توثيق متى بدأ السعوديون الدراسة في الجامعات الأمريكية بالتحديد حسب تصريح الملحقية الثقافية في أمريكا لوكالة الأنباء السعودية عام 2015، لكن يُعتقد أن عبدالله الطريقي رحمه الله هو أول سعودي يحصل على درجة علمية من الجامعات هناك بعد إنهائه متطلبات الحصول على الماجستير في تخصص الجيولوجيا من جامعة تكساس في أوستن عام 1947، يُضاف أن الطريقي الذي أصبح أول وزير نفط سعودي، وشارك في تأسيس أوبك درس البكالوريوس في جامعة الملك فؤاد الأول التي سميت لاحقًا بجامعة القاهرة بعد الثورة.

في عام 1948 قامت شركة أرامكو بتحويل 30 طالبًا سعوديًا مبتعث من الشركة من الجامعة الأمريكية في بيروت للدراسة في جامعة تكساس، ولم يُعلم سبب تحويل الدارسين من بيروت إلى العالم الجديد.

كما أن المصدر السابق يُضيف في تصريحه لوكالة الأنباء أنه في عام 1952 تخرجت أول دفعة رسمية من الطلاب السعوديين من الجامعات الأمريكية، وكانت تضم 9 طلاب، 6 منهم تخرجوا بدرجة الماجستير والـ3 الباقيين حصلوا على البكالوريوس.

ومنذ ذلك التاريخ تحظى مؤسسات التعليم العالي في أمريكا بثقة المسؤول والمواطن السعودي وكيف لا وهي تتصدر قوائم الجامعات الأكثر جودة على مستوى العالم، لذلك فالبعثات الدراسية السعودية لم تتوقف لأمريكا من نهاية الأربعينيات حتى اليوم على أقل تقدير.

لا يعلم بالتحديد من هو أول سعودي حصل على درجة الدكتوراة من جامعات أمريكا، لكن من خلال بحثي وجدت أن أول سعودي قام بإجراء دراسة عن السعوديين في الولايات المتحدة هو عبدالرحمن إبراهيم الجماز في أطروحته للدكتوراة من جامعة ميتشجان الحكومية عام 1972، وكان عنوان أطروحته: الطلاب السعوديون في الولايات المتحدة: دراسة لمشاكل التكيف الخاصة بهم. وشارك في هذه الدراسة 345 طالبًا سعوديًا كان يدرسون في الجامعات الأمريكية. وبعدها بعام واحد قام الباحث محمد الرشيد بعمل أطروحته أيضاُ في موضوع يتعلق بالطلاب السعوديين هناك لاستكمال الحصول على درجة دكتوراة الفلسفة من جامعة أوكلاهوما. يذكر أن الرشيد أصبح وزيراً للمعارف لاحقاً رحمه الله.

تراوحت أعداد المبتعثين السعوديين في الولايات المتحدة بين الصعود والهبوط خلال العقود الماضية نظراً لمتغيرات كثيرة، لكن أكبر عدد من الطلاب السعوديين تواجدوا في الولايات المتحدة في القرن الماضي كان في العام الأكاديمي 1979 /1980 حيث بلغ عدد السعوديين الدارسين أكثر من 11 ألف متعلم. بينما يظل عدد الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة السنة الدراسية 2015 /2016 هو الأضخم في التاريخ حيث كان عددهم في مؤسسات التعليم العالي الأمريكية 75205 متعلم بفضل الله ثم بفضل تبني الحكومة برنامج المنح الدراسية الخارجية الذي انطلق عام 2005 تحت مسى برنامج خادم الحرمين الشريفيين للابتعاث الخارجي وهو لا يزال قائمًا، ويعد برنامج خادم الحرمين أكبر برنامج ابتعاث خارجي ممول حكوميًا في التاريخ الإنساني.

نظرًا لبدء تدفق الطلاب السعوديين لأمريكا وزيادة عددهم بوقت سريع كان هناك حاجة لمكتب سعودي حكومي يرعى الطلاب خلال تواجدهم في الخارج ويتابع شؤونهم الدراسية والاجتماعية فقد افتتح مكتب صغير عام 1951 داخل مندوبية المملكة في الأمم المتحدة ومع زيادة أعداد الدارسين استقل المكتب عن المندوبية واصبح اسمه المكتب الثقافي السعودي في نيويورك سنة 1956. في عام 1975 انتقل المكتب التعليمي لمدينة هيوستن نظير زيادة الطلاب وبعدها بثلاثة سنوات تم افتتاح فرع للمكتب التعليمي في كاليفورنيا ثم افتتحت 5 مكاتب فرعية أخرى بعد ذلك. في عام 1987 تحول المكتب التعليمي إلى مسمى ملحقية ثقافية بعد انتقاله لواشنطن، وألغيت الفروع وفي عام 2011 تم افتتاح مبنى الملحقية الجديد والضخم في مدينة فيرفاكس في فرجينيا لا يبعد سوى دقائق عن العاصمة.

بالرغم من قدم التاريخ التعليمي للسعودية في الولايات المتحدة والإنجازات العلمية التي حققها الطلاب السعوديين هناك، فإن التوثيق لا زال دون مستوى التوقعات، حيث يصعب على الباحث الحصول على معلومات أساسية عن التواجد السعودي هناك. ومن هذا المنطلق ندعو المسؤولين في الملحقية السعودية الثقافية في الولايات المتحدة بشكل خاص، وجميع الملحقيات الثقافية بشكل عامل بتزويد المجتمع بالمعلومات التاريخية لتوثيق تلك المراحل الزمنية المهمة التي استثمرت فيها الحكومة السعودية عشرات المليارات من الدولارات لتطوير قدرات الإنسان السعودي ليساعد في النهضة التي تشهدها البلاد.