يقول لي أحدهم إنه في يوم من الأيام كان هناك متسللون للغابة الواقعة بقربه من جنسية إفريقية، وحينما كان بنزهة ليلية هناك إذ بأحد المتسللين هؤلاء يختطف حجرا كبيرا، ويهم بقتل صاحبنا هذا به، وأشار صاحبنا إليه بأنه يريد أن يعطيه ماء، فبدأ المتسلل يهدأ نسبيا، وفعلا أعطاه الماء، وشرب المتسلل هذا وهو في قمة الحرص من صاحبنا هذا، معتقدا أنه قد حضر للإمساك به، وهدأت الأجواء وإذ بهذا المتسلل يتحدث العربية قليلا، وبدأ بينهما التواصل بأن كلا منهما لم يكن يريد أذية الآخر، ولكن كلا منهما قد سمع قصصا عن أذية الطرفين بعضهما.

يضيف صاحبنا: ولأنه حينها لم يكن هناك تشديد أمني على تشغيل مخالفي نظام الإقامة والعمل كما هو الحال اليوم، فقد عرضت عليه العمل في تنظيف استراحة لي وأصدقائي بالقرب من تلك الغابة وبعيدا عن المدينة وأهلها، ووافق المتسلل على العمل بلا مقابل مادي سوى الأكل والشرب والنوم واستخدام مرافق تلك الاستراحة فقط. وما هي إلا أيام حتى بدأت الوحشة تغادر كلا منهما تجاه الآخر، وحلت الألفة بدلا عنها، وبدأ يحدثهم هذا المتسلل عما واجهه في تلك الرحلة الشاقة ما بين إفريقيا حتى وصل لتلك الغابة، وكيف ترك أسرته وأطفاله، و«حبة حبة» حتى أصبحوا يتشاركون الهموم والأحزان والأفراح، حتى أتى يوم كان فراقه عليهم وكأنه فراق أخ لهم، حينما غادر البلاد، لتصحيح وضعه في تلك المهلة التي قدمتها حكومة خادم الحرمين الشريفين كبادرة إنسانية لمجهولي الإقامة آنذاك، وعاد لبلاده وهو يبكي على فراق من كان يحاول قتله.

هذه القصة تذكرني بخبر تلفزيوني على قناة أمريكية، إذ ظهر أحد ملاك البقالات الصغيرة هناك، وهو من أصول مسلمة من شرق آسيا، وهو يفتح ظرفا به 50 دولارا، ويقول إنه أتى يوما وهجم عليه لص، محاولا سرقة الأموال من صندوق تلك البقالة، فما كان من صاحب البقالة هذا إلا أن استل بندقيته، وصوبها نحو رأس ذلك اللص، وإذ باللص يخر على ركبتيه، كما يظهر في مشاهد كاميرات المراقبة، متوسلا ألا يقتله، لأنه يريد فقط أن يجد ما يسد به جوع زوجته وأطفاله الذين هم في انتظاره، فأعطاه صاحب البقالة 40 دولارا، وأمره بأن يأخذ ما يحتاج من أكل لأسرته من بقالته هذه، وغادر اللص ولم يعد ثانية.

يقول صاحب البقالة: وبعد عدة أشهر، وصلني هذا الظرف الذي به 50 دولارا، وقد كتب عليه أنه من اللص، وأنه حصل على وظيفة، وها هو يعيد الأموال لصاحب البقالة، في مشهد أشبه بمشهد صاحبنا هذا والمتسلل اللذين تحول لقاؤهما الأول بمحاولة إيذاء كل منهما الآخر إلى قصة وفاء.

ما أريد قوله إنه لدى كل منا إنسان بداخله، وقس على ذلك تعاملك مع البشر كافة، فمهما تكن الوحشية طاغية على أحدهم، فقد تكون نتيجة مواقف ومصائب قد مر بها، جعلته يعيش حياة بربرية تقوم على غريزة البقاء مهما كلف الأمر، وقد تكون هذه المقطوعة تتناسب حتى مع بعض التجار الذين لا يفكرون إلا في المردود المادي مهما تحول الموظف لديهم إلى آلة، ولكن مهما تكن صعوبة الشخص الذي تتعامل معه، فهل «تعرفت على الإنسان الذي بداخله؟».