في أوائل التسعينات اتفق الملك فهد - رحمه الله - بحنكته السياسية المعروفة ما مع كان يسمى في ذلك الحين المعارضة الشيعية في الخارج، وأعادهم إلى أحضان الوطن، وكان من الذين لعبوا دورا مهما في هذا الاتفاق الناجح هو عثمان العمير. قد يتبادر إلى الذهن سؤال: لماذا اختار الملك فهد وهو السياسي الخبير والمعروف عنه حسن اختياراته ومعرفته بقدرات الرجال حوله، لماذا اختار إعلاميا صحفيا، ولم يختر مسؤولا من البيروقراطيين؟! طبعا كان هناك أيضا دور أساسي للشيخ عبد العزيز التويجري، رحمه الله.

في بعض الأحيان تجلس مع بعض السفراء السعوديين في الخارج، إما حديث عام أو مناسبة معينة في وجود الرعايا السعوديين بالخارج، وتستمع إلى حديث بعض السفراء، وللأسف يصيب الكثيرين الضجر من حديث بعض السفراء، وتجد البعض ينظر بساعته متى يخلص الحديث، وبعض الأحيان تسأل نفسك: إذا هذا السفير وهو يتحدث إلينا باللغة نفسها، والثقافة نفسها، حديثه ممل وغير مقنع أحيانا، فكيف يستطيع إقناع الدولة التي هو فيها، وهي لغة أخرى وثقافة أخرى، أليس هو صورة ورمز، وانطباعات ذهنية عن دولته!

سأبدأ بالسؤال التالي للقارئ: أيهما أكثر قدرة على إقناعك أو إقناع الآخرين من ثقافات أخرى، وبث صورة إيجابية عن المملكة والرد على المغالطات بشأن السعودية، هل هو سفير أم رئيس تحرير متمكن؟

هذان المثالان يأخذاننا إلى موضوع المقال، وهو لماذا لا يتم تعيين سفراء سعوديين جددا من الوسط الإعلامي، وأخص رؤساء التحرير؟ وسأناقش هذا الموضوع بما له وما عليه؟ وإيجابيات وسلبيات؟

سأرد بصفتي الشخصية كمواطن، وسأختار 3 أمثلة لرؤساء تحرير الشرق الأوسط من باب الحيادية، ولن أذكر صحيفة الوطن حتى لا تعتبر محاباة، ولأن المعروف لا يعرف. وهنا أتكلم كمواطن وسأذكر عثمان العمير وعبدالرحمن الراشد وسلمان الدوسري من باب المثال وليس الحصر. أعتقد بل أجزم بأن الثلاثة لديهم القدرة على الإقناع وبث الصورة الإيجابية، وحتى تغيير المفاهيم المغلوطة عن المملكة، لو كانوا سفراء، أكثر من بعض السفراء الذين قابلناهم. بالمناسبة ليس تحيزا للإعلاميين، فعبدالرحمن الراشد ليس صديقي المقرب لكن دون شك تستمتع بشرح وجهة نظره، حتى لو لم تتفق معها، وأكيد أنك لن تشعر بالضجر وإن لم تغير رأيك بما يقوله، فبالتأكيد ستحترم كيفية دفاعه عن رأيه وقضيته. ولا ننسى أن الإعلام الآن صار سلاحا إستراتيجيا جبارا، ولننظر لما يحدث في أمريكا حاليا.

في المقابل قد يقول قائل ترى وظيفة السفير ليس فقط (الصورة) والإعلام بل له وظائف أخرى. وهذا شيء معروف وقد كتبنا سابقا وكثيرا عن المهام الثلاثة الأساسية للسفير. وقد يقول أيضا، ترى الإعلامي قد ينجح كإعلامي لأن لديه هامش حرية، وليس مسؤولا مرتبطا بمسؤوليات، وأيضا كلامه يحسب عليه، وليس على الدولة، عكس المسؤول الرسمي، وليست لديه بيروقراطية تقيده. وأيضا الدبلوماسية تحتاج تخصصا وفهما للعمل الدبلوماسي الخ. وكل هذا مردود عليه. يا عزيزي إن مهنة الصحافة والإعلام هي منتهى الدبلوماسية ومهارات الاتصال والإقناع. أليس أحد تعريفات الدبلوماسية أنها: فن الاتصال والإقناع!

ثانيا: رئيس التحرير يقضي جل حياته يمشي بين الخطوط الحمراء، فهو يعرف هامش حريته ومناورته، أما تقييد البيروقراطية فلن تجد أحدا يعرف يتعامل ويتخلص منها بمهارة وبرستيج مثل الصحفيين! والإعلامي بطبيعته نشط يبحث عن الأحداث كل يوم.

دعونا نرى منافسة في من سيبث الحيوية والنشاط، ومن سيبث الطاقة في السفارات، بين السفراء من خلفية إعلامية، وبين من هم من ديوان الخارجية؟ التاريخ يقول إن السفراء الأربعة الأشهر كانت بداياتهم من خارج ديوان الوزارة، وهنا نذكر الأمير بندر والشبيلي والمنقور، وأيضا عادل الجبير!

البقاء للأصلح، وسنرى من سيقوم بمهامه كسفير على أفضل وجه؟ هل هم ذوو الخلفية الإعلامية أم الخلفية الدبلوماسية؟ ودائما المنافسة تؤدي للتطور، وأعتقد أن هذا سيحفز الدبلوماسيين في الوزارة، وستكون الترقيات والمناصب للأكثر إنجازا وتميزا، وليس فقط بالأقدمية.

أنا هنا أتكلم عن الجيل المتحفز الجديد من الدبلوماسيين الذي يبحثون عن الإنجاز، ويريدون أن يعطوا الفرصة، وليس البعض الذين يهاجمون مقالتنا وكأنهم في خصومة شخصية معنا، ويبحثون عن الأعذار، وتجده جل يومه شغل (صادر ووارد)، وتجده يدور الأعذار والتعليلات، وعندما نذكر له الأمير بندر بن سلطان يقول (الملك فهد دعمه)، وعندما نذكر عادل الجبير يقول (الملك عبدالله دعمه)، وعندما نذكر له تركي الدخيل يقول: أصلا الدخيل علاقته كانت ممتازة مع شيوخ الإمارات سابقا!

يا عزيزي الذي تبحث عن الأعذار، ولم تطور نفسك، صدقني لو أعطوك عشرة أضعاف ما أعطى الملك فهد للأمير بندر فلن تنجز 1% من إنجازاته. وبالمناسبة نهنئ عادل الجبير على فوزه بجائزة الاعتدال لجهوده المميزة في المحافل الدولية، وللمعلومية ترى الجائزة باختيار لجنة خاصة مستقلة، وليس أخذاً بآراء كاتب المقال الذي تدعون أنه مزعجكم بتكرار عادل الجبير في مقالاته، لأن الناس شهود على الأرض ويرون العمل الحقيقي والفرق بين عمل البعض الذي لا يعجبه أحد ويعلل.

يا أعزائي الذين في بعض السفارات، أنا لست ضدكم، بل على العكس أتمنى لكم التطور، لكن مع الظروف الحالية العالمية نحتاج أن تكون سفارتنا دينامو طاقة وحيوية وإنجاز، وليس استقصادا لكم، لكن على الكاتب أن يكتب بموضوعية. قبل أسابيع كتبنا أن الوزراء غير الأطباء أفضل أداء من الوزراء الأطباء في وزارة الصحة، فزعل البعض وعاتبني البعض من الزملاء، لكن هذه بالنسبة لي حقيقة، حتى لو كانت عكس ما نتمناه يجب أن أذكرها رغم معزة مجالي وزملائي.

مرت عدة سنوات منذ بداية الرؤية المباركة العظيمة، وتطورت قطاعات الدولة، ولكن أرى أن بعض السفارات أقل من المأمول، والآن مع الظروف الحالية، أتمنى تعيين سفراء من نوعية مختلفة. لست أبخس أداء وقدرات كل السفراء السعوديين لكن التنوع والتجديد مطلوبان، والبعض أخذ فرصته دون أن نرى إنجازات ملموسة تذكر. وأتمنى أن يكون هناك سفراء من الوسط الإعلامي وخصوصا المخضرمين، لأنه للأسف بعض الجيل الجديد من الإعلاميين فيه تسرع و(علو الأنا)، بينما الصحفيون المخضرمون نلاحظ عليهم التواضع والحلم والاتزان، حتى مع من يخالفهم، وربما هذه سمة تميز جيلهم يجب أن نعترف بها.