سمعنا كثيرا عن مفهوم «أنسنة المدن»، وصار متداولا في حديث اليوم عن الشكل الصحيح للمدينة العصرية التي توافق تقدم العصر الحديث، في حين أنها تراعي الإنسان وتضعه على رأس الأولويات، بعدما وضعت أغلب المدن اليوم المال والأعمال على سلم أولوياتها، وأغفلت الإنسان، وهو الصانع الحقيقي للحضارة.

مع كل ما سمعناه عن «أنسنة المدن»، فإن حديث ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عندما أطلق رؤيته عن مدينة «ذا لاين» في «نيوم»، التي ستكون مقياسا لمدن المستقبل في العالم، اختصر كل ما قيل عن «أنسنة المدن». حديث ولي العهد هو اختصار موجز لما تعنيه «مدينة المستقبل» التي ستضع الإنسان على رأس أولوياتها، وهذا ليس غريبا على بلادنا، فنحن عشنا قبل أشهر معدودات أزمة جائحة كورونا، وكيف تعاملت معها المملكة بكل احترافية، ولا نبالغ لو قلنا إن المملكة من أفضل دول العالم في إدارة هذه الجائحة، وأول من يشهد على ذلك هم أبناء الوطن الذين عاشوا هذه الأزمة، وشاهدوا حالة الاستنفار التي مرت بها كل أجهزة الدولة في سبيل خدمة المواطن والمقيم على حد سواء.

في ظل هذه الأزمة، احتلت المملكة الترتيب السادس كأكثر وجهات السفر أمانا حول العالم، والوحيدة من بين دول الشرق الأوسط، وهذه المرتبة المتقدمة تعكس مقدار ما وصلت إليه المملكة من تقدم في مفهوم الأنسنة، حيث إن «أنسنة المدينة» لا معنى له دون أهم شرط من شروط التجمع البشري والرفاهية الإنسانية، وهو توفير سبل الأمن والأمان.

المملكة مقبلة نحو التحول على الأصعدة كافة، فاليوم نشهد تركيز الإعلام الرسمي على مناطق متعددة في أرجاء الوطن ذات طبيعة خلابة لم نكن نعرفها من قبل، وكيف سلطت عليها الأضواء، لتكون مدن المستقبل التي تضع الإنسان أولا وأخيرا في أولوياتها.

يقول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: «أقدم لكم «ذا لاين» مدينة مليونية بطول 170 كم. تحافظ على 95% من الطبيعة في أراضي نيوم. صفر شوارع وصفر انبعاثات كربونية». وستكون منطقة «نيوم» ذات الطبيعة البكر حاضنة هذه المدينة المستقبلية المتناغمة مع الطبيعة، التي ستكون امتدادا لما تقدمه بلادنا من إمكانات وفرص للعمل. وفضلا على أنها مدينة تحافظ على البيئة، فإن مرافقها ستدار بالاعتماد الكامل على تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتسهيل عملية التواصل.

كلنا ثقة في نجاح هذه الفكرة الطموح وغير المسبوقة، لتكون «ذا لاين» المدينة العصرية الصديقة للإنسان التي تتبنى قيم ومبادئ، أهمها الاستدامة والرفاهية والعيش المشترك في أحضان مدينة تتسم بالجمال والتضامن والترفيه، مدينة تعزز البعد الإنساني في كل مشاريعها، لتكون أكثر جاذبية لحياة الإنسان بعيدا عن الضوضاء والتلوث البصري والبيئي.

هذه المدينة تعكس رؤية المملكة للمستقبل، مدينة تتحدى الصعاب وتذلل التحديات، لتقديم مدينة خالية من الانبعاثات الكربونية بعدما عانت البشرية في العقود الماضية تبعات المدن المتهالكة والمزدحمة ذات الأبنية العملاقة، التي تأسست على أنقاض الطبيعة، وجعلت الإنسان يغترب عن ذاته وطبيعته وسط أكوام من الأبنية الأسمنتية والشوارع المكتظة بالسيارات.

من خلال «ذا لاين»، ستكون المملكة رائدة في مجال المدن الذكية - بفضل الله - ثم بفضل حكومتنا الرشيدة، فالمملكة لا تنقصها الكفاءات والإمكانات لصناعة هذا الحلم، والتحول من الاعتماد الكلي على النفط إلى الاعتماد على الإبداع والابتكار وخلق الفرص، وبإذن الله ستكون «نيوم» هي بوصلة الشرق التي ستحقق لنا وللأجيال القادمة آمالنا وطموحاتنا.