أتى يوم وطاب لي السكن في أحد الأحياء الجديدة الواقعة بأطراف المدينة، وكنت أستضيف بعضا من أصدقائي خصوصا وقت الظهيرة، (أي بوضح النهار «والشمس صاقعة»)، وأثناء تناولنا للغداء وإذ بضيفي هذا يصرخ هاربا «من صوت اصطدام عالٍ» بينما حالي لم يتغير، فتجدني أقلب الكبسة مع الشطة، لأنني قد اعتدت على هذا الصوت كل أسبوع تقريبا، فتجدني وبكل هدوء، أستل هاتفي من غمده وأقرع الخط على الإسعاف والمرور، وأقول لهم «أخباركم وكيف حالكم، بس حبيت أقول لكم صار حادث قبل شوي في نفس المكان اللي جيتوا له قبل أسبوع بين تريلة وسيارة صغيرة، وما يحتاج تسرعون خلاص وفيات كلهم زي الحادث اللي قبله». وفي التفاصيل أن هذا الحي ينفذ على الخط السريع بمدخل المدينة، فيقوم سائقو الشاحنات القادمين من المدن الأخرى بتجنب الوقوف عند أول إشارة في هذه المدينة بدخولهم من وسط هذا الحي الجديد (الذي تم افتتاحه قبل سنوات)، وما زالت تقاطعاته بلا مطبات أو أية علامات إرشادية أو حتى أرصفة للشوارع، فيكون سائق الشاحنة هذا ما زال منطلقا بسرعة الخط السريع، وصاحب السيارة الصغيرة، خرج دقائق ليجلب (خبزا) من البقالة المجاورة، وكانت آخر «كيسة خبز» يخرج لشرائها، ويتصادمان لتسقط هذه الشاحنة بحمولتها القصوى على هذا الشارع، ويحدث هذا الصوت الذي اعتدت عليه.

المهم أنني ومن واجب إنساني اتصلت على الرقم 940 لبلاغات البلدية، وبعد الشرح للموظف، قال ببساطة لم تُفعّل هذه الخاصية لدينا وعليك أن تقدم هذا الطلب لأقرب أمانة لديك يدويا، وبعد أن قررت الذهاب تفاجأت أن هذا الطريق السريع يتبع لوزارة النقل، وهنا لا بد أن أذهب للأمانة والنقل، ولكن كيف أستطيع أن أثبت لهم أنه قد حدث على هذا الطريق حوادث مميتة متكررة في فترة قصيرة، فعلي أن أذهب أولا للمرور لتحديد مكان الحادث، ومن ثم أذهب للإسعاف لتحديد أن الحالة قد توفت، وأذهب لمصلحة الزكاة والضمان الاجتماعي لحماية الحياة الفطرية والنفطية لتوثيق أن المقاول لم ينفذ هذا المشروع بشكل كامل و..... و...... و...... إلخ، وأيسر من ذلك كله أن أتصل على الإسعاف والمرور «منها أتطمن عليهم أسبوعيا ومنها أبلغهم أن فيه حادث والسلام».

تساءلت حينها لماذا كل مدينة لها نظام خاص في هذا التعامل، فتجد المنطقة الشرقية لديها لجنة مرورية بمستوى عالمي، وتدرس كل زاوية ونقطة عمياء أو سوداء تسببت في زيادة الحوادث في هذا الموقع، وتجد أن «نجم» في الرياض مثلا له مركز قيادة متطور يحدد آليا أماكن الحوادث وبمجرد أن يتكرر حادثان أو ثلاثة تبلغ الجهات المعنية لإرسال الخبراء لتحديد المشكلة وحلها، ولكن هل هناك آلية موحدة تتبعها جهة واحدة لتحديد أسباب الحوادث وتعالجها فورا وتعاقب من لم يتجاوب معها، مثلما نرى أن هيئة مكافحة الفساد لها السلطة على جميع الأجهزة الحكومية بتقديم من يفسد في المال العام للعدالة، فهل لنا أن نرى هيئة تقدم من يزهق الأرواح العامة للعدالة، فبدلا من أن نتعامل مع عشرات الجهات بمختلف تعقيداتها و«تصريفاتها» أحيانا وإنجازها وتفهمها أحيانا أخرى، نجد رقما موحدا للجنة أو حتى (هيئة مكافحة الحوادث المرورية).